نكبات ومأسي ومحن الأزيدين في العراق (الجزء الثاني)

Lalish Valley, northern Iraq (2010). Photo by Robert Leutheuser

بقلم‭ ‬د‭ ‬عضيد‭ ‬ميري

إن‭ ‬نكبات‭ ‬ومأسي‭ ‬ومحن‭ ‬الأزيدين‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬مازال‭ ‬يلفها‭ ‬الحزن‭ ‬والأسى‭ ‬سيما‭ ‬وأن‭ ‬نفي‭ ‬اليزيدين‭ ‬من‭ ‬مناطقهم‭ ‬والمزارات‭ ‬القديمة‭ ‬لشعبهم‭ ‬يهدد‭ ‬بإضعاف‭ ‬هويتهم‭ ‬كشعب‭ ‬ومكوّن‭ ‬متميز،‭ ‬ولا‭ ‬يسعى‭ ‬الأزيديون‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬إلى‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬تقاليدهم‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬يسعون‭ ‬أيضًا‭ ‬إلى‭ ‬مكافحة‭ ‬المعلومات‭ ‬الخاطئة‭ ‬والقوالب‭ ‬النمطية‭ ‬حول‭ ‬عقيدتهم‭ ‬وهناك‭ ‬تحديات‭ ‬وصعوبات‭ ‬أمام‭ ‬الإزيديين‭ ‬لاستعادة‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬والأمن‭ ‬المجتمعي‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬نينوى‭/‬سنجار،‭ ‬سيما‭ ‬وان‭ ‬معظمهم‭ ‬تشتتوا‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬أراضيهم‭ ‬المقدسة،‭ ‬وانضم‭ ‬العديد‭ ‬منهم‭ ‬إلى‭ ‬جمع‭ ‬اللاجئين‭ ‬إلى‭ ‬أوروبا‭. ‬

سبق‭ ‬وأن‭ ‬تناولنا‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬شهر‭ ‬تموز‭ ‬2024‭ ‬الجزء‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المقالة‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الجزء‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬موضوع‭ ‬المقالة‭ ‬سنتناول‭ ‬التحديات‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬مأساة‭ ‬داعش‭ ‬والهجوم‭ ‬على‭ ‬سنجار‭ ‬والإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬والاضطهاد‭ ‬والاختطاف‭ ‬والعبودية‭ ‬ودمار‭ ‬البلدات‭ ‬والتحديات‭ ‬والمصير‭ ‬المجهول‭ ‬لهذا‭ ‬المكوّن‭ ‬العراقي‭ ‬الأصيل‭.‬

التحديات‭ ‬الجيوسياسية

بعد‭ ‬الغزو‭ ‬الأمريكي،‭ ‬دخلت‭ ‬منطقة‭ ‬سنجار‭ ‬ضمن‭ ‬فئة‭ ‬“المناطق‭ ‬المتنازع‭ ‬عليها”‭. ‬وكانت‭ ‬هذه‭ ‬الأراضي،‭ ‬التي‭ ‬تتكون‭ ‬في‭ ‬معظمها‭ ‬من‭ ‬مناطق‭ ‬غنية‭ ‬بالنفط‭ ‬ومناطق‭ ‬زراعية،‭ ‬لفترة‭ ‬طويلة‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬الصراع‭ ‬العربي‭ ‬الكردي‭ ‬في‭ ‬العراق‭.‬

قبل‭ ‬الغزو‭ ‬الأمريكي،‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬المناطق‭ ‬في‭ ‬معظمها‭ ‬تحت‭ ‬سيطرة‭ ‬الجيش‭ ‬العراقي‭ ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬بعد‭ ‬سقوط‭ ‬صدام‭ ‬حسين‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2003،‭ ‬سيطرت‭ ‬حكومة‭ ‬إقليم‭ ‬كردستان‭ ‬على‭ ‬أجزاء‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المناطق‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬منطقة‭ ‬سنجار،‭ ‬بدعم‭ ‬من‭ ‬الجيش‭ ‬الأمريكي‭. ‬وساهمت‭ ‬البيئة‭ ‬الطائفية‭ ‬والفراغ‭ ‬السياسي‭ ‬الذي‭ ‬أعقب‭ ‬سقوط‭ ‬صدام‭ ‬في‭ ‬صعود‭ ‬تنظيم‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬في‭ ‬المنطقة

ولم‭ ‬يكن‭ ‬هجوم‭ ‬تنظيم‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬عام‭ ‬2014،‭ ‬والمعروف‭ ‬باسم‭ ‬“اليوم‭ ‬الأسود”،‭ ‬والذي‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬سقوط‭ ‬سنجار‭ ‬والنزوح‭ ‬الجماعي‭ ‬للمجتمع‭ ‬اليزيدي،‭ ‬حدثًا‭ ‬منعزلاً‭. ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬لها‭ ‬جذورها‭ ‬في‭ ‬الغزو‭ ‬الأمريكي‭ ‬للعراق‭ ‬عام‭ ‬2003‭ ‬والصراع‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬الذي‭ ‬أعقب‭ ‬ذلك‭. ‬

وعشية‭ ‬الهجوم‭ ‬الإرهابي‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2014،‭ ‬وضع‭ ‬آلاف‭ ‬اليزيدين‭ ‬أمالهم‭ ‬في‭ ‬وعود‭ ‬السلطات‭ ‬الكردية‭ ‬بالحماية،‭ ‬ولكن‭ ‬الانسحاب‭ ‬المتسرع‭ ‬للقوات‭ ‬الكردية‭ ‬أمام‭ ‬حفنة‭ ‬من‭ ‬إرهابيي‭ ‬داعش‭ ‬ترك‭ ‬المنطقة‭ ‬بأكملها‭ ‬بلا‭ ‬حماية‭ ‬أو‭ ‬دفاع‭. ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬آفاق‭ ‬الاستقرار‭ ‬الأمني‭ ‬والاقتصادي‭ ‬والسياسي‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬غير‭ ‬واضحة‭ ‬ولذلك‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬موطن‭ ‬اليزيدين‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬سنجار‭ ‬شمالي‭ ‬العراق‭ ‬منطقة‭ ‬صراع‭ ‬بعدما‭ ‬مزقتها‭ ‬الحروب‭ ‬والمصالح‭ ‬الإقليمية‭. ‬

مأساة‭ ‬داعش‭ ‬

تعتبر‭ ‬قصة‭ ‬غزو‭ ‬داعش‭ ‬للوطن‭ ‬اليزيدي‭ ‬في‭ ‬أغسطس‭ ‬2014‭ ‬ضرورية‭ ‬لفهم‭ ‬محنة‭ ‬هذا‭ ‬المجتمع‭ ‬المهدد‭ ‬بالانقراض‭ ‬والذي‭ ‬واجه‭ ‬قرونًا‭ ‬مما‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬وصفه‭ ‬إلا‭ ‬بأنه‭ ‬اعتداء‭ ‬وإبادة‭ ‬جماعية،‭ ‬وتعتبر‭ ‬قصة‭ ‬مأساوية‭ ‬لأتباع‭ ‬دين‭ ‬مسالم‭ ‬يتعرض‭ ‬وجودهم‭ ‬للتهديد‭ ‬بسبب‭ ‬مزيج‭ ‬من‭ ‬التعصب‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬داعش‭ ‬واللامبالاة‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬الدولة‭ ‬والقوى‭ ‬الغربية‭. ‬وكثيراً‭ ‬ما‭ ‬يقول‭ ‬ألأزيديون‭ ‬أنهم‭ ‬كانوا‭ ‬ضحايا‭ ‬72‭ ‬محاولة‭ ‬إبادة‭ ‬جماعية‭ ‬سابقة،‭ ‬وان‭ ‬ذاكرة‭ ‬الاضطهاد‭ ‬هي‭ ‬عنصر‭ ‬أساسي‭ ‬في‭ ‬هويتهم‭ ‬وتأريخهم‭.‬

وبسبب‭ ‬داعش‭ ‬وغيرهم‭ ‬قبلهم‭ ‬عاصر‭ ‬الإزيديون‭ ‬في‭ ‬سنجار‭ ‬ولألش‭ ‬تاريخ‭ ‬مليء‭ ‬بالمآسي‭ ‬والنكبات‭ ‬والمحن‭. ‬ففي‭ ‬أواخر‭ ‬السبعينيات،‭ ‬أطلق‭ ‬الرئيس‭ ‬العراقي‭ ‬صدام‭ ‬حسين‭ ‬حملات‭ ‬تعريب‭ ‬قسرية‭ ‬ضد‭ ‬الأكراد‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬العراق،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬قام‭ ‬بتدمير‭ ‬القرى‭ ‬اليزيدية‭ ‬التقليدية‭ ‬وأجبر‭ ‬اليزيدين‭ ‬على‭ ‬الاستقرار‭ ‬في‭ ‬المراكز‭ ‬الحضرية،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تعطيل‭ ‬أساليب‭ ‬حياتهم‭ ‬الزراعية‭ ‬الريفية،‭ ‬كما‭ ‬وقام‭ ‬نظام‭ ‬صدام‭ ‬ببناء‭ ‬مدينة‭ ‬سنجار‭ ‬وأجبر‭ ‬الإيزيديين‭ ‬على‭ ‬ترك‭ ‬قراهم‭ ‬الجبلية‭ ‬والانتقال‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬المدينة‭.‬

وبينما‭ ‬تعرض‭ ‬ألأزيديون‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬العراق‭ ‬على‭ ‬هجمات‭ ‬بربرية‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬عام‭ ‬2014‭ ‬كان‭ ‬بمثابة‭ ‬نقطة‭ ‬تحول‭ ‬مأساوية‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭. ‬أدى‭ ‬تقدم‭ ‬داعش‭ ‬إلى‭ ‬سنجار‭ ‬في‭ ‬أغسطس‭ ‬2014‭ ‬إلى‭ ‬نزوح‭ ‬المجتمع‭ ‬الإزيدي‭ ‬بأكمله‭ ‬تقريبًا‭ ‬وأسر‭ ‬وقتل‭ ‬واستعباد‭ ‬الآلاف‭.‬

وحتى‭ ‬لا‭ ‬نضيع‭ ‬في‭ ‬صفحات‭ ‬التاريخ‭ ‬والتفسير،‭ ‬فلقد‭ ‬ثبت‭ ‬عمليا‭ ‬وتاريخيا‭ ‬ان‭ ‬الاكراه‭ ‬والقوة‭ ‬والعنف‭ ‬كوسيلة‭ ‬لإجبار‭ ‬وإقناع‭ ‬الانسان‭ ‬على‭ ‬تغيير‭ ‬ايمانه‭ ‬ومعتقداته‭ ‬تولد‭ ‬العكس‭ ‬وتزيد‭ ‬من‭ ‬تمسك‭ ‬المرء‭ ‬بأفكاره‭ ‬ودينه‭.  ‬وتأسيسا‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬فإننا‭  ‬نجد‭ ‬ان‭ ‬الازيدية‭ ‬التي‭ ‬تستند‭ ‬الى‭ ‬احكام‭ ‬ونصوص‭ ‬واعراف‭ ‬وقيم‭ ‬ثابتة‭ ‬نشأت‭ ‬مع‭ ‬بدايات‭ ‬الزمان‭ ‬واحكام‭ ‬العصور‭ ‬ورغم‭ ‬متطلبات‭ ‬الحياة‭ ‬وصعوبتها‭ ‬بقي‭ ‬هذا‭ ‬المكون‭ ‬الأصيل‭ ‬وشعائره‭ ‬ثابتة‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬المصاعب‭ ‬والتحديات‭ ‬وسط‭ ‬محيط‭ ‬من‭ ‬الأعداء‭ ‬والعداء‭ ‬وحملات‭ ‬القوة‭ ‬القسرية‭ ‬لفرض‭ ‬التحول‭ ‬الديني‭ ‬،‭ ‬وبقي‭ ‬الأزيدي‭ ‬يتمسك‭ ‬بدينه‭ ‬وتراثه‭ ‬وترابه‭ ‬وقيمه‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬لاقاه‭ ‬من‭ ‬عنف‭ ‬وتهجير‭ ‬من‭ ‬السلطات‭ ‬و‭ ‬اهل‭ ‬المنطقة‭ ‬المجاورين‭ ‬الذين‭ ‬لم‭ ‬يتقبلوا‭ ‬أسس‭ ‬التعايش‭ ‬المشترك‭ ‬والتسامح‭ ‬الديني‭ ‬والحوار‭ ‬العقلاني‭ ‬فاستعملوا‭ ‬السلاح‭ ‬والقوة‭ ‬والاضطهاد‭ ‬بدلا‭ ‬عن‭ ‬المواطنة‭ ‬والإنسانية‭ ‬ومنطق‭ ‬العقل‭ ‬ولغة‭ ‬السلام‭.‬

الهجوم‭ ‬على‭ ‬سنجار‭ ‬

في‭ ‬عام‭ ‬2014،‭ ‬ومع‭ ‬المكاسب‭ ‬الإقليمية‭ ‬التي‭ ‬حققتها‭ ‬الجماعة‭ ‬السلفية‭ ‬المسلحة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تطلق‭ ‬على‭ ‬نفسها‭ ‬اسم‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬والشام‭ (‬داعش‭)‬،‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬اضطرابات‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬السكان‭ ‬اليزيدين‭ ‬العراقيين‭ ‬إذ‭ ‬سبق‭ ‬وان‭ ‬أعلن‭ ‬تنظيم‭ ‬داعش‭ ‬بأن‭ ‬اليزيدين‭ ‬هم‭ ‬عبدة‭ ‬الشيطان،‭ ‬وبعدها‭ ‬بفترة‭ ‬استولى‭ ‬التنظيم‭ ‬على‭ ‬سنجار‭ ‬في‭ ‬أغسطس‭ ‬2014‭ ‬بعد‭ ‬انسحاب‭ ‬قوات‭ ‬البيشمركة‭ ‬الكردية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تحمي‭ ‬المنطقة،‭ ‬دون‭ ‬سابق‭ ‬إنذار،‭ ‬تاركة‭ ‬السكان‭ ‬المحليين‭ ‬بلا‭ ‬حماية‭.‬

وفر‭ ‬ما‭ ‬يقدر‭ ‬بنحو‭ ‬200‭,‬000‭ ‬مدني‭ ‬اليزيدي‭ ‬للنجاة‭ ‬بحياتهم،‭ ‬وتوجه‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬عن‭ ‬50‭,‬000‭ ‬إلى‭ ‬جبل‭ ‬سنجار،‭ ‬حيث‭ ‬حوصروا‭ ‬في‭ ‬حرارة‭ ‬الصيف‭ ‬الحارقة‭ ‬لعدة‭ ‬أيام‭ ‬دون‭ ‬طعام‭ ‬أو‭ ‬ماء‭. ‬أما‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬لم‭ ‬يتمكنوا‭ ‬من‭ ‬الفرار‭ ‬أو‭ ‬الذين‭ ‬حاولوا‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬قراهم‭ ‬من‭ ‬مقاتلي‭ ‬داعش،‭ ‬فقد‭ ‬تعرضوا‭ ‬للقتل‭ ‬أو‭ ‬الاختطاف‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬لاحق،‭ ‬مع‭ ‬مذابح‭ ‬واسعة‭ ‬النطاق‭ ‬للرجال‭ ‬والفتيان‭ ‬اليزيدين‭ ‬في‭ ‬قرى‭ ‬قنية‭ ‬وكوجو‭ ‬وجدلي‭.‬

انسحب‭ ‬معظم‭ ‬السكان‭ ‬الفارين‭ ‬من‭ ‬سنجار‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬سلك‭ ‬الجبال‭ ‬القريبة‭ ‬بهدف‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬دهوك‭ ‬في‭ ‬كردستان‭ ‬العراق‭ (‬عادةً‭ ‬مسافة‭ ‬خمس‭ ‬ساعات‭ ‬بالسيارة‭). ‬وكانت‭ ‬مخاوفهم‭ ‬كثيرة‭ ‬منها‭ ‬نقل‭ ‬كبار‭ ‬السن‭ ‬وذوي‭ ‬الحالة‭ ‬الصحية‭ ‬الهشة‭ ‬والنساء‭ ‬والأطفال‭ ‬ونقص‭ ‬المياه‭ ‬وسبل‭ ‬التنقل‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬الوعرة‭. ‬ولجأ‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬عن‭ ‬40‭ ‬ألف‭ ‬يزيدي،‭ ‬كثير‭ ‬منهم‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬والأطفال،‭ ‬إلى‭ ‬تسعة‭ ‬مواقع‭ ‬على‭ ‬جبل‭ ‬سنجار،‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬التلال‭ ‬الصخرية‭ ‬يبلغ‭ ‬ارتفاعها‭ ‬1400‭ ‬متر‭ (‬4600‭ ‬قدم‭) ‬والتي‭ ‬يقال‭ ‬في‭ ‬الأساطير‭ ‬المحلية‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬المثوى‭ ‬الأخير‭ ‬للنبي‭ ‬نوح‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭. ‬

وبعد‭ ‬فترة‭ ‬تمكن‭ ‬20‭.‬000‭ ‬إلى‭ ‬30‭.‬000‭ ‬يزيدي،‭ ‬معظمهم‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬والأطفال،‭ ‬المحاصرين‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬داعش،‭ ‬من‭ ‬الفرار‭ ‬من‭ ‬جبل‭ ‬سنجار‭ ‬بعد‭ ‬تدخل‭ ‬وحدات‭ ‬حماية‭ ‬الشعب‭ (‬واي‭ ‬بي‭ ‬جي‭) ‬وحزب‭ ‬العمال‭ ‬الكردستاني‭ (‬به‭ ‬ككه‭) ‬لوقف‭ ‬داعش‭. ‬وفتحوا‭ ‬لهم‭ ‬ممراً‭ ‬إنسانياً،‭ ‬وساعدوهم‭ ‬على‭ ‬عبور‭ ‬نهر‭ ‬دجلة‭ ‬إلى‭ (‬روج‭ ‬آفا‭) ‬في‭ ‬سوريا‭. ‬إذ‭ ‬كانوا‭ ‬يواجهون‭ ‬الذبح‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬الجهاديين‭ ‬المحيطين‭ ‬بهم‭ ‬في‭ ‬الأسفل‭ ‬إذا‭ ‬فروا،‭ ‬أو‭ ‬الموت‭ ‬بسبب‭ ‬الجفاف‭ ‬إذا‭ ‬بقوا‭.‬

تم‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬النساء‭ ‬الأسيرات‭ ‬كغنائم‭ ‬حرب‭ ‬وتم‭ ‬بيع‭ ‬النساء‭ ‬والفتيات‭ ‬اللاتي‭ ‬يعتنقن‭ ‬الإسلام‭ ‬كعرائس،‭ ‬وكعبيدات‭ ‬جنسية‭ ‬ومن‭ ‬هن‭ ‬نادية‭ ‬مراد،‭ ‬الناشطة‭ ‬الأزيدية‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬والحائزة‭ ‬على‭ ‬جائزة‭ ‬نوبل‭ ‬للسلام‭ ‬لعام‭ ‬2018،‭ ‬التي‭ ‬اختطفت‭ ‬واستخدمت‭ ‬كعبيدة‭ ‬جنس‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬داعش‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2014‭ ‬أما‭ ‬اللاتي‭ ‬يرفضن‭ ‬التحول‭ ‬فيتعرضن‭ ‬للتعذيب‭ ‬والاغتصاب‭ ‬والقتل‭ ‬وتم‭ ‬دفع‭ ‬بعضهن‭ ‬إلى‭ ‬الانتحار‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭. ‬أما‭ ‬الأطفال‭ ‬الذين‭ ‬يولدون‭ ‬في‭ ‬السجن‭ ‬الذي‭ ‬تحتجز‭ ‬فيه‭ ‬النساء‭ ‬فكانوا‭ ‬يُؤخذون‭ ‬قسره‭ ‬من‭ ‬أمهاتهم‭ ‬إلى‭ ‬مصير‭ ‬مجهول‭. ‬

الاضطهاد

إن‭ ‬تاريخ‭ ‬المجتمع‭ ‬اليزيدي‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬العراق‭ ‬مليء‭ ‬بالقمع‭ ‬والعنف‭. ‬إذ‭ ‬عانى‭ ‬الإزيديون‭ ‬لما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬ستة‭ ‬قرون‭ ‬من‭ ‬اضطهاد‭  ‬ومجازر‭ ‬الدولة‭ ‬العثمانية‭ (‬1299‭ ‬–‭ ‬1922‭) ‬وبعد‭ ‬تفكك‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬العثمانية‭ ‬في‭ ‬أوائل‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬استهدف‭ ‬الجيش‭ ‬البريطاني‭ ‬اليزيدين‭ ‬والمجموعات‭ ‬العرقية‭ ‬الأخرى‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬العراق،‭ ‬وتعرض‭ ‬الأزيدىة‭ ‬الى‭ ‬مصاعب‭ ‬ونكبات‭ ‬مستمرة‭ ‬سببها‭ ‬بعض‭ ‬قادتهم‭ ‬الدينين‭ ‬وتمسكهم‭ ‬بغموض‭ ‬وتقاليد‭ ‬مذهبهم‭ ‬وعزلتهم‭ ‬وسط‭ ‬محيط‭ ‬من‭ ‬العداء‭ ‬الديني‭ ‬والسياسي‭ ‬ولم‭ ‬يعيشوا‭ ‬بأمان‭ ‬واستقرار‭ ‬الا‭ ‬في‭ ‬ضل‭ ‬الحكم‭ ‬الملكي‭ ‬الوطني‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬واستمرت‭ ‬الحملات‭ ‬العنيفة‭ ‬ضد‭ ‬الإيزيديين‭ ‬خلال‭ ‬نظام‭ ‬البعث‭ ‬الذي‭ ‬تولى‭ ‬السلطة‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬1968‭ ‬إلى‭ ‬عام‭ ‬2003‭.‬

في‭ ‬أعقاب‭ ‬غزو‭ ‬العراق‭ ‬في‭ ‬مارس‭/‬آذار‭ ‬2003،‭ ‬واجه‭ ‬ألأزيديون‭ ‬اضطهاداً‭ ‬متزايداً‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المتطرفين‭ ‬الدينيين‭ ‬الذين‭ ‬اعتبروهم‭ ‬خطأً‭ ‬“عبدة‭ ‬الشيطان”‭ ‬بسبب‭ ‬سوء‭ ‬تفسير‭ ‬لدينهم‭. ‬وكان‭ ‬أفراد‭ ‬المجتمع‭ ‬يستهدفون‭ ‬بانتظام‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المتطرفين‭. ‬ويقدر‭ ‬تقرير‭ ‬صدر‭ ‬في‭ ‬يوليو‭/‬تموز‭ ‬2008‭ ‬عن‭ ‬وزارة‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬العراقية‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬2003‭ ‬ونهاية‭ ‬2007،‭ ‬قُتل‭ ‬ما‭ ‬مجموعه‭ ‬335‭ ‬أزيدياً‭ ‬في‭ ‬هجمات‭ ‬مباشرة‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬مباشرة‭.‬

غالبًا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬تأثير‭ ‬هذه‭ ‬الهجمات‭ ‬والهجمات‭ ‬اللاحقة‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬بعيد‭ ‬المدى‭. ‬خلال‭ ‬عام‭ ‬2013،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬هجمات‭ ‬عديدة‭ ‬على‭ ‬الطلاب‭ ‬اليزيدين‭ ‬الذين‭ ‬يدرسون‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬الموصل‭. ‬وبحلول‭ ‬نهاية‭ ‬العام،‭ ‬توقف‭ ‬حوالي‭ ‬2000‭ ‬طالب‭ ‬ازيدي‭ ‬عن‭ ‬الالتحاق‭ ‬بالجامعة‭.‬

وفي‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬شهدت‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬لليزيدين‭ ‬عام‭ ‬2014‭ ‬التي‭ ‬نفذها‭ ‬تنظيم‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬الإرهابي‭ (‬داعش‭) ‬مقتل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬5000‭ ‬إزيدي،‭ ‬مع‭ ‬إجبار‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬والفتيات‭ ‬اليزيديات‭ ‬على‭ ‬العبودية‭ ‬الجنسية‭ ‬وفرار‭ ‬ونزوح‭ ‬وهجرة‭ ‬وأكثر‭ ‬من‭ ‬500000‭ ‬لاجئ‭ ‬ازيدي‭.‬

التعريب‭ ‬والتكريد‭ ‬

قبل‭ ‬تقدم‭ ‬داعش،‭ ‬كان‭ ‬عدد‭ ‬اليزيدين‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬حوالي‭ ‬500‭ ‬ألف،‭ ‬وكانوا‭ ‬يتركزون‭ ‬في‭ ‬سنجار،‭ ‬على‭ ‬بعد‭ ‬150‭ ‬كيلومترًا‭ ‬غرب‭ ‬الموصل،‭ ‬مع‭ ‬مجتمع‭ ‬أصغر‭ ‬في‭ ‬شيخان،‭ ‬سفوح‭ ‬كردستان‭ ‬شرق‭ ‬الموصل،‭ ‬حيث‭ ‬يقع‭ ‬ضريحهم‭ ‬الأكثر‭ ‬قداسة‭ ‬للشيخ‭ ‬عدي‭ ‬بن‭ ‬مسافر‭. ‬واليزيديون‭ ‬هم‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬مزارعون‭ ‬ورعاة‭ ‬فقراء‭ ‬لديهم‭ ‬تسلسل‭ ‬هرمي‭ ‬ديني‭ ‬وسياسي‭ ‬متدرج‭ ‬بشكل‭ ‬صارم،‭ ‬ويميلون‭ ‬إلى‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬مجتمع‭ ‬أكثر‭ ‬انغلاقًا‭ ‬من‭ ‬المجموعات‭ ‬العرقية‭ ‬أو‭ ‬الدينية‭ ‬الأخرى‭.‬

لقد‭ ‬ظل‭ ‬الإزيديون‭ ‬دائمًا‭ ‬على‭ ‬هامش‭ ‬المجتمع‭ ‬العراقي،‭ ‬ولكن‭ ‬بسبب‭ ‬الموقع‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬لجبل‭ ‬سنجار،‭ ‬فقد‭ ‬تلقوا‭ ‬اهتمامًا‭ ‬غير‭ ‬مرحب‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬أمن‭ ‬دولة‭ ‬صدام‭. ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬نظام‭ ‬البعث،‭ ‬بُذلت‭ ‬جهود‭ ‬متكررة‭ ‬لتعريب‭ ‬المنطقة‭ ‬وإقناع‭ ‬الإيزيديين‭ ‬بأنهم‭ ‬عرب‭. ‬كانت‭ ‬ردود‭ ‬الفعل‭ ‬متباينة،‭ ‬لكن‭ ‬بعض‭ ‬الإيزيديين‭ ‬دعموا‭ ‬الحركة‭ ‬الوطنية‭ ‬الكردية‭. ‬خدم‭ ‬الإزيديون‭ ‬على‭ ‬مضض‭ ‬في‭ ‬الجيش‭ ‬ضد‭ ‬إيران،‭ ‬وفرّت‭ ‬الطائفة‭ ‬من‭ ‬حملة‭ ‬الأنفال،‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬الكردية،‭ ‬في‭ ‬عامي‭ ‬1987‭ ‬و1988

وفي‭ ‬ظل‭ ‬الضغط‭ ‬المستمر‭ ‬للاندماج‭ ‬مع‭ ‬الأكراد‭ ‬العراقيين،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬الشمالية،‭ ‬كان‭ ‬الاختطاف‭ ‬والزواج‭ ‬القسري‭ ‬يشكلان‭ ‬خطراً‭ ‬على‭ ‬الإيزيديين‭. ‬أفاد‭ ‬نشطاء‭ ‬إزيديون‭ ‬أنه‭ ‬بعد‭ ‬عام‭ ‬2003،‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬حالات‭ ‬عديدة‭ ‬لنساء‭ ‬يزيديات‭ ‬تم‭ ‬اختطافهن‭ ‬وإجبارهن‭ ‬على‭ ‬الزواج‭ ‬من‭ ‬أفراد‭ ‬من‭ ‬قوات‭ ‬الأمن‭ ‬الكردية‭ ‬“آسايش”‭. ‬وتعرضت‭ ‬الأسر‭ ‬اليزيدية‭ ‬للتهديد‭ ‬بالانتقام‭ ‬إذا‭ ‬رفضت‭ ‬النساء‭ ‬والفتيات‭ ‬الزواج‭ ‬من‭ ‬أفراد‭ ‬الميليشيات‭. ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الزيجات‭ ‬تعزل‭ ‬هؤلاء‭ ‬النساء‭ ‬فعليًا‭ ‬عن‭ ‬عائلاتهن‭ ‬ومجتمعاتهن‭ ‬لأن‭ ‬المعتقدات‭ ‬اليزيدية‭ ‬تحظر‭ ‬الزواج‭ ‬خارج‭ ‬الدين‭. ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬يتعهدون‭ ‬بمثل‭ ‬هذه‭ ‬الوعود‭ ‬يتخلون‭ ‬عن‭ ‬عقيدتهم‭ ‬ويجب‭ ‬عليهم‭ ‬تعريف‭ ‬أنفسهم‭ ‬بأنهم‭ ‬أكراد‭.‬

الاختطاف‭ ‬والعبودية‭ ‬والإبادة

في‭ ‬أكتوبر‭ ‬2014،‭ ‬أفادت‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬أن‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬5000‭ ‬يزيدي‭ ‬قتلوا‭ ‬واختطف‭ ‬تنظيم‭ ‬داعش‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬5000‭ ‬إلى‭ ‬7000‭ (‬معظمهم‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬والأطفال‭). ‬وقد‭ ‬ادعى‭ ‬داعش،‭ ‬في‭ ‬مجلته‭ ‬الرقمية‭ ‬دابق،‭ ‬صراحةً‭ ‬وجود‭ ‬مبرر‭ ‬ديني‭ ‬لاستعباد‭ ‬النساء‭ ‬الأزيديات‭.  ‬

‭ ‬ومع‭ ‬سيطرة‭ ‬تنظيم‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬على‭ ‬منطقة‭ ‬سنجار‭ ‬فر‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الإيزيديين‭ ‬إلى‭ ‬جبل‭ ‬سنجار‭ ‬وسط‭ ‬حرارة‭ ‬الصيف‭ ‬الحارقة‭. ‬وتم‭ ‬اختطاف‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬والفتيات‭ ‬الإزيديات‭ ‬بغرض‭ ‬الزواج‭ ‬القسري‭ ‬أو‭ ‬الاستعباد‭ ‬الجنسي‭. ‬وتم‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬نقل‭ ‬أعداد‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬إلى‭ ‬سوريا‭ ‬لبيعهن‭ ‬أو‭ ‬تزويجهن‭ ‬قسراً‭ ‬لمقاتلي‭ ‬داعش‭. ‬وقد‭ ‬وصفت‭ ‬معاملة‭ ‬داعش‭ ‬للأقلية‭ ‬اليزيدية‭ ‬بأنها‭ ‬إبادة‭ ‬جماعية‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬والعديد‭ ‬من‭ ‬المنظمات‭ ‬الدولية‭ ‬الأخرى‭. ‬

استولى‭ ‬الجهاديون‭ ‬على‭ ‬مئات‭ ‬النساء‭ ‬الأزيديات‭ ‬كعبيد‭ ‬جنس‭ ‬شرعهن‭ ‬القرآن‭ ‬وباعوهن‭ ‬مثل‭ ‬المتاع‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭ ‬لمقاتلي‭ ‬داعش‭. ‬تعرضت‭ ‬هؤلاء‭ ‬النساء،‭ ‬والعديد‭ ‬منهن‭ ‬فتيات‭ ‬صغيرات،‭ ‬للاغتصاب‭ ‬والإساءة‭ ‬بشكل‭ ‬منهجي‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬أمراء‭ ‬داعش‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬معظمهم‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬بؤس‭ ‬كعبيد‭ ‬جنس‭ ‬للمتعصبين‭ ‬الذين‭ ‬يضفي‭ ‬الشرعية‭ ‬على‭ ‬إساءة‭ ‬معاملتهم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬وصفهم‭ ‬بـ‭ ‬“المشركين”‭ ‬و”الكفار”‭ (‬لم‭ ‬تحظ‭ ‬محنتهم‭ ‬بنفس‭ ‬القدر‭ ‬من‭ ‬الاهتمام‭ ‬الذي‭ ‬حظيت‭ ‬به‭ ‬عملية‭ ‬اختطاف‭ ‬تلميذات‭ ‬المدارس‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬إرهابيي‭ ‬بوكو‭ ‬حرام‭ ‬الجهاديين‭ ‬في‭ ‬نيجيريا‭).‬‭ ‬تم‭ ‬جر‭ ‬النساء‭ ‬الأكبر‭ ‬سناً‭ ‬اللاتي‭ ‬لا‭ ‬يستحققن‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬صبية،‭ ‬وتم‭ ‬قتلهن‭ ‬بشكل‭ ‬جماعي‭ ‬وبدم‭ ‬بارد‭. ‬

ردود‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي

رداً‭ ‬على‭ ‬هجوم‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬الذي‭ ‬ارتكبه‭ ‬تنظيم‭ ‬داعش‭ ‬ضد‭ ‬الإيزيديين‭ ‬ابتداءً‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬2014،‭ ‬قامت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بتجميع‭ ‬تحالف‭ ‬عالمي‭ ‬يضم‭ ‬80‭ ‬دولة‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭ ‬لهزيمة‭ ‬داعش‭. ‬وبعد‭ ‬مرور‭ ‬عشرة‭ ‬سنوات،‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬الأزيديون‭ ‬يكافحون‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التعافي‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وسوريا‭.‬‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الأشخاص‭ ‬نازحين،‭ ‬ويعانون‭ ‬من‭ ‬صدمات‭ ‬نفسية‭ ‬شديدة،‭ ‬ويواجهون‭ ‬تهديدات‭ ‬من‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الجهات‭ ‬الفاعلة‭. ‬

في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬الحكومة‭ ‬العراقية‭ ‬والإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬دور‭ ‬في‭ ‬صدمات‭ ‬ما‭ ‬حصل‭ ‬للمكونات‭ ‬التأريخية‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وسوريا‭ ‬أن‭ ‬تعطي‭ ‬الأولوية‭ ‬لحقوق‭ ‬الإيزيديين‭ ‬والأقليات،‭ ‬ويجب‭ ‬عليهم‭ ‬التأكد‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الإيزيديين‭ ‬والمكونات‭ ‬الأصيلة‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬لا‭ ‬يعانون‭ ‬من‭ ‬الاضطهاد‭ ‬ومزيد‭ ‬من‭ ‬التهميش‭ ‬حتى‭ ‬بعد‭ ‬الهزيمة‭ ‬العسكرية‭ ‬لداعش‭.‬

ولغاية‭ ‬اليوم‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬تنفيذ‭ ‬الاتفاق‭ ‬الذي‭ ‬وقعته‭ ‬حكومتا‭ ‬كردستان‭ ‬والعراق‭ ‬عام‭ ‬2020‭ ‬لاستعادة‭ ‬الاستقرار‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬سنجار‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭. ‬ويوفر‭ ‬هذا‭ ‬الاتفاق‭ ‬إطارًا‭ ‬لترحيل‭ ‬ونزع‭ ‬سلاح‭ ‬جميع‭ ‬الجماعات‭ ‬المسلحة‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬وإعادة‭ ‬توطين‭ ‬اليزيدين‭ ‬الساكنين‭ ‬في‭ ‬مخيمات‭ ‬اللاجئين‭ ‬في‭ ‬كردستان‭ ‬ومساعدة‭ ‬النازحين‭ ‬اليزيدين‭ ‬على‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬ارضهم‭ ‬ووطنهم‭.‬

حلول‭ ‬أم‭ ‬مصير‭ ‬مجهول؟‭ ‬

كان‭ ‬الأزيديون‭ ‬والمسيحيون‭ ‬والمندائيون‭ ‬والأقليات‭ ‬الأخرى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬أقلية‭ ‬عرقية‭ ‬أخرى‭ ‬ضحايا‭ ‬للإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬ردود‭ ‬الحكومات‭ ‬العراقية‭ ‬المتعاقبة‭ ‬هي‭ ‬الاستجابات‭ ‬الصحيحة‭. ‬ولا‭ ‬يسعى‭ ‬الإزيديون‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬إلى‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬تقاليدهم‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬يسعون‭ ‬أيضًا‭ ‬إلى‭ ‬مكافحة‭ ‬المعلومات‭ ‬الخاطئة‭ ‬والقوالب‭ ‬النمطية‭ ‬حول‭ ‬عقيدتهم،‭ ‬ومعظمهم‭ ‬تشتتوا‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬أراضيهم‭ ‬المقدسة،‭ ‬وانضم‭ ‬العديد‭ ‬منهم‭ ‬إلى‭ ‬حركة‭ ‬اللاجئين‭ ‬إلى‭ ‬أوروبا‭. ‬إن‭ ‬نفي‭ ‬الإزيديين‭ ‬من‭ ‬المزارات‭ ‬القديمة‭ ‬لشعبهم‭ ‬يهدد‭ ‬بإضعاف‭ ‬هويتهم‭ ‬كشعب‭ ‬متميز‭ ‬وهناك‭ ‬امامهم‭ ‬تحديات‭ ‬كبيرة‭ ‬للإعمار‭ ‬ولاستعادة‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬والأمن‭ ‬المجتمعي‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬نينوى‭/‬سنجار‭. ‬

ولم‭ ‬يكن‭ ‬الإزيديون‭ ‬وحدهم‭ ‬هم‭ ‬الذين‭ ‬واجهوا‭ ‬غضب‭ ‬داعش،‭ ‬إذ‭ ‬في‭ ‬العقدين‭ ‬الأخيرين،‭ ‬انخفض‭ ‬عدد‭ ‬المسيحيين‭ ‬العراقيين‭ ‬بنسبة‭ ‬تزيد‭ ‬على‭ ‬80‭%‬،‭ ‬من‭ ‬1‭.‬5‭ ‬مليون‭ ‬إلى‭ ‬اقل‭ ‬من‭ ‬200‭ ‬ألف‭ ‬وأصبح‭ ‬عدد‭ ‬الصابئة‭ ‬المندائيين‭ ‬اقل‭ ‬من‭ ‬5000‭ ‬الأف‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬كان‭ ‬عددهم‭ ‬في‭ ‬2003‭ ‬70يقدر‭ ‬ب‭ ‬70000‭ ‬ألف‭ ‬مواطن،‭ ‬كما‭ ‬وفرغ‭ ‬العراق‭ ‬من‭ ‬اليهود‭ ‬بعد‭ ‬وجودهم‭ ‬فيه‭ ‬منذ‭ ‬العصر‭ ‬البابلي‭ ‬قبل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ألفي‭ ‬عام‭. ‬والعد‭ ‬التنازلي‭ ‬لما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬المكونات‭ ‬مازال‭ ‬باستمرار‭ ‬في‭ ‬عراق‭ ‬تهدمت‭ ‬فيه‭ ‬كافة‭ ‬المعالم‭ ‬الحضارية‭ ‬منذ‭ ‬2003

بعد‭ ‬أن‭ ‬قدمنا‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬القراءة‭ ‬لمأساة‭ ‬إخوتنا‭ ‬في‭ ‬الأرض‭ ‬والوطن‭ ‬والطين‭ ‬ودافعنا‭ ‬عن‭ ‬إحدى‭ ‬المكونات‭ ‬والديانات‭ ‬المهددة‭ ‬بالانقراض،‭ ‬نحن‭ ‬نؤمن‭ ‬بضرورة‭ ‬إقامة‭ ‬تعايش‭ ‬سلمي‭ ‬بين‭ ‬المسيحيين‭ ‬والإيزيديين‭ ‬والعرب‭ ‬والكرد‭ ‬جنبًا‭ ‬إلى‭ ‬جنب‭ ‬مع‭ ‬صون‭ ‬العملية‭ ‬القانونية‭ ‬للعدالة‭ ‬وتقصي‭ ‬الحقائق‭ ‬وضمان‭ ‬تقديم‭ ‬المتورطين‭ ‬في‭ ‬الجرائم‭ ‬إلى‭ ‬العدالة‭ ‬وتعويض‭ ‬الضحايا‭ ‬والمتضررين‭ ‬تعويضاً‭ ‬عادلاً‭. ‬ويمكننا‭ ‬القول‭ ‬بأن‭ ‬العراق‭ ‬سيكون‭ ‬أقل‭ ‬تنوعًا‭ ‬إذا‭ ‬اختفى‭ ‬الشعب‭ ‬اليزيدي‭ ‬القديم‭ ‬من‭ ‬صفحات‭ ‬التاريخ‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬مع‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المجموعات‭ ‬العرقية‭ ‬والدينية‭ ‬الأخرى‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬والعراق‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬القرون‭.‬

المصادر‭: ‬ويكيبيديا،‭ ‬يزدا،‭ ‬المؤسسة‭ ‬الأزيدية‭ ‬الحرة،‭ ‬ناشيونال‭ ‬جيوغرافيك،‭ ‬الغارديان‭ ‬اللندنية،‭ ‬باري‭ ‬إبراهيم،‭ ‬بيافي‭ ‬أشر‭ ‬شابيرو،‭ ‬براين‭ ‬كًلين‭ ‬ويليامز‭ ‬وكتب‭ ‬الكتاب‭ ‬المذكورة‭ ‬في‭ ‬المقدمة‭ ‬أعلاه‭.‬