لقاء وحوار مع سيادة المطران مار بولص ثابت حبيب يوسف ال مكو مطران ابرشية القوش
بقلم د عضيد يوسف ميري
استضافت مؤسسة الجالية الكلدانية في يوم الجمعة 21 حزيران/يونيو 2024، سيادة المطران مار بولص ثابت حبيب يوسف ال مكو مطران ابرشية القوش أثناء زيارته للولايات المتحدة وتواجده في ولاية ميشيغان واغتنمت مجلة (كالديان نيوز - أخبار الكلدان) الفرصة لإجراء لقاء وحوار تناول عدد من الاهتمامات والتحديات التي تثير قلق الجالية في المهجر والمكونات والمواطنين في العراق، سلط فيها المطران الجليل الأضواء على التحديات والفرص التي تواجه الأهالي في منطقة سهل نينوى وناقش سبل دعم مجتمع الأقليات في العراق (الموصل) والوضع الكارثي بعد صدمة داعش، وأحوال النازحين والتغيرات الديموغرافية و إعادة الإعمار، وزيارة البابا فرنسيس والتعايش بين المكونات المتنوعة في المنطقة. وأدناه نص المقابلة التي أجراها كاتب هذه المقالة:
نبذة عن مطران القوش مار بولص ثابت حبيب يوسف ال مكو
اسم الاب الثلاثي: حبيب يوسف منصور
اسم الام الثلاثي: هيلاني حنا ماموكا
له شقيقان وثلاث شقيقات
تاريخ الولا: 14/ 2/ 1976
مكان الولادة: كرمليس - نينوى
تاريخ العماد: 26/ 3/ 1976 - كنيسة مار ادي
الدراسة المدنية: بكالوريوس علوم/ الجيولوجيا
الدراسة اللاهوتية: بكالوريوس لاهوت من الجامعة الاوربانية/ ليسانس علم الاباء- المعهد الاوغسطيني - اللاتيران - روما
اللغات: الايطالية- الانكليزية - السريانية - الكلدانية - والعربية
ارتسم كاهنا بتاريخ 25/ 7/ 2008
أماكن الخدمة: خورنة مار ادي - كرمليس من 1/ 9/ 2011- 6/8/ 2014
أربيل: الخدمة الراعوية للمهجرين من أبرشية الموصل/ الاغاثة للكلدان اللاجئين الى اربيل 7/8/2014- 1/ 9/ 2017.
عمل بهمّة وجد في اعادة اعمار بلدة كرمليس 1/9/ 2017
استاذ مادة الآباء في كلية بابل - دورات التثقيف المسيحي
س – سيادة المطران تفضل وأخبرنا عن أبرشية القوش وأوضاع المسيحيين والبلدات في سهل نينوى
ج - المطران ثابت
قبل عام 2003، كانت منطقة سهل نينوى مستقرة نسبيا وموطنًا لأكبر عدد من السكان المسيحيين في البلاد بأكملها، وكانت سلة غذاء المنطقة، ومعروفة بحقولها الغنية ومزارعها الخصبة ومحاصيلها الموسمية الغزيرة وكانت تكفي لإطعام جزء من اهل العراق، ولكن الاستقرار والأمان تخلخل بسبب الأحداث الطائفية وصعود القاعدة بعد 2003 و2006 ونزوح الكثيرين من المسيحين وغيرهم من بغداد والبصرة والموصل الى بلدات سهل نينوى وعنكاوا وإقليم كردستان خوفاً من تنظيم القاعدة.
تسبب هذا النزوح في زيادة كبيرة لنفوس أهالي سهل نينوى لفترة أعوام الى أن حصلت كارثة وصدمة داعش في 2014 لتبدأ مرحلة جديدة وأكثر ايلاماً من النزوح صوب إقليم كردستان والهجرة خارج العراق. وأنا كنت مسؤولاً عن إدارة شؤون المهجرين الكلدان في عنكاوا وعملت بكل جد من أجل إبقاء الأمل حي في نفوس الناس.
بعد تحرير سل نينوى من داعش عام 2017، حصل واقع جديد شمل تغيير في موازين القوى وخطوط جغرافية متقاطعة وسواتر امنية عازلة قسمت المنطقة والبلدات والسكان وصعبت وعقدت عودة النازحين، وللأسف لم تكن الأمور مثالية ولم يعود من النازحين الى بلداتهم سوى 30%- 40% لينصدموا بهول الدمار ولا تزال كثير من البيوت والبلدات بحاجة الى إعادة الإعمار واستقرار سكانها الذين عادوا اليها من مناطق نزوحهم داخل العراق.
س- ماذا عن حالة ألآمن والاستقرار في الوقت الحاضر وهل هناك أمل بعودة الحياة الطبيعية؟
ج – ما هو مقياس الأمان؟ فنحن نتكلم عن سهل نينوى واحد بينما هو في واقع الحال مقسم بساتر أمني، ونقاط تفتيش وسيطرات بين البلدات تعمل كحاجز وسببت في تغيرات ديمغرافية وجغرافية واقتصادية، إذ كان سهل نينوى قبل 2003 يتكوّن من مناطق وبلدات متصلة جغرافيا ومتواصلة سكانياً عبر التاريخ والان نجدها أصبحت منعزلة وتشبه مسطحات الأهوار كجزر ومجمعات منفصلة.
وقبل داعش، كنا نعرف من هي الجهة المسؤولة عن مسك أمن المنطقة، ولكن بعد غزو داعش في 6 أغسطس 2014، بقيت المنطقة تحت سيطرة داعش حتى 16 أكتوبر 2016، ولكن منذ التحرير لا يوجد قرار أمنى واحد في المنطقة.
ولكن الحق يقال ان المسيحيون بوسعهم التحرك والتنقل بسهولة في سهل نينوى لكونهم لا يشكلون خطرا على الأجهزة الأمنية أو المواطنين الأخرين، ولكن بعض الصعوبات باقية كما في وجود ساتر أمنى يفصل منطقة إقليم كردستان عن مواقع الحكومة المركزية، وبسبب ذلك العزل نرى المزارعين يتنقلون بين الحاجز الساتر ومزارعهم اثناء موسمي الزرع والحصاد.
س - كيف غيرت داعش احوال المنطقة؟
ج - أزمة وكارثة داعش ليست فقط في سهل نينوى والموصل والعراق فحسب، بل تمتد الى الشرق الأوسط وأبعد. ففي منتصف عام 2014، سيطر تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) على كرمليس وقضاء الحمدانية (جنوب شرق الموصل) وألحق أضرارًا بالمباني الحكومية في مركز القضاء، بالإضافة إلى تدمير وحرق آلاف المنازل والأماكن الدينية. وأجبر هذا الغزو الهمجي جميع مسيحيي المدينة تقريبًا على الفرار للنجاة بحياتهم.
ما حصل في هجوم 2014 كان امر لا يأتينا حتى في الخيال وكنا نسمع ونقرأ عن إبادات تأريخية حدثت وبقيت محفورة في الذاكرة فقط، ومنها ابادات نادر شاه عام 1743 ومير كور ومجازر سيفو في مناطق الشمال وحتى الساعات الأخيرة لم أكن أصدق أن داعش سياتي الى كرمليس وبقيت فيها الى الساعات الأخيرة، ولكن حينما رأينا ان القوات الأمنية المكلفة بحماية المنطقة تنسحب امام اعيننا، أدركنا حجم المصيبة فقررنا النزوح والمغادرة وعند نزوحنا كان كل همنا هو انقاذ المخطوطات التاريخية الثمينة من كنيسة مار ادي في كرمليس وأنا قمت بذلك.
احتل داعش ودمر منزلي وغيره في الحي الذي كنت اسكنه وكسر الإرهابيين برج وناقوس الكنيسة ونبشوا قبور الكهنة في داخل مدفن الكنيسة ومنهم قبر ابونا سالم ابن اخ المطران جبرائيل كًني واخرجوا التابوت بحثاً عن الصلبان والذهب وثم تركوه بترابه وبدلته الكنسية.
وعندما هجم تنظيم داعش الإرهابي على مناطق سهل نينوى، كان عدد المسيحيين فيها يبلغ نحو 120 ألف شخص، وخسرنا أكثر من 45% من سكان هذه المناطق الذين هاجروا. أعطيكم مثالاً لتكوين صورة واضحة، في بلدة باطنايا كان عدد العائلات يبلغ نحو 1000 عائلة، بقي منها اليوم 215 عائلة فقط، بالإضافة إلى 100 عائلة منتشرة في بلدات أخرى، والنسبة متفاوتة، حيث خسرت مناطق 45% من اعداد نفوسها، فيما خسرت مناطق أخرى 60% من نفوسها، ولاتزال الهجرة تشكل تهديداً بترك المسيحيين لأرضهم.
وبعد تحرير المنطقة عام 2017، بدأ عدد النازحين العائدين في التزايد تدريجياً. ولكن لم يعود جميع سكان المنطقة إلى منازلهم. لأنهم تضرروا ويأسوا أكثر من غيرهم بسبب حرب داعش. ولذلك فقدت برطلة معظم سكانها المسيحيين، وفقدت كرمليس 70% من أهلها. ومازال يعيش كثير من النازحين في عنكاوا ومنطقة إقليم كردستان.
س - هل هناك إحصائيات ومتابعات دقيقة للأضرار التي خلفها داعش؟
ج – بعد التحرير وعند عودتنا الى مدننا وجدنا الخراب في كل مكان ولم تجد معظم العائلات المسيحية شيئًا سوى المباني المحروقة والبنية التحتية المدمرة، إذ عاث تنظيم داعش خرابا في المدينة خلال احتلاله. ولدينا إحصائيات رهيبة عن حجم الأضرار والدمار في البيوت المسلوبة والمتضررة والمحروقة، وللأسف أصبح كثير منها مدمراً ولن يتم ترميمها ويجب أن يكون هناك دور ومسؤولية للحكومة في بناء المدن المنكوبة وعدم التلكؤ في سرعة الإعمار.
ولكن لا يصح لنا البكاء على ما حصل، بل أن نشمر السواعد من اجل الإعمار من جديد وإعادة كافة مستلزمات العودة، وهناك رغبة وإرادة للصمود والبقاء ولنا امل وايمان في تحقيق ذلك.
س - كيف واجهتم تحديات عودة النازحين وإعادة البناء؟
ج - الكنيسة كانت سباقة وفي المقدمة لمواجهة أزمات التهجير والإعمار، وبذلت الكثير من الجهود من أجل إعادة المسيحيين إلى قراهم والتمسك بأرضهم، وكانت المهمة صعبة للغاية، وكان أحد الأنشطة الأولى هو إجراء مسح موسع لاحتياجات البلدات والقرى المتضررة. وأظهرت نتائج الاستطلاع أن الناس يحتاجون أشياء أساسية مثل الغذاء والتعليم والتدريب الوظيفي والاستشارة والتنمية الروحية والوظائف المستقرة. وبدعم من بعض المنظمات الدولية وباتباع خطة محكمة لتوعية المواطنين، تضمنت مجموعة من كافة المكونات، وكذلك من خلال مراكز التعليم، تمكنا من إعادة التعايش السلمي إلى المنطقة.
أساسيات الحياة الكريمة هي الأمن والاستقرار والعدالة الاجتماعية والاستمرارية في كافة مجالات الحياة، ونحن نحتاج إلى تفكير جديد يواكب الحاجة في مناطقنا، ويعالج أمور الوظائف والبطالة والركود الاقتصادي وإعادة الخدمات وضرورات البنية التحتية (كهرباء ماء مستشفيات مراكز صحية مدارس) وبالتأكيد أن استمرار المساعدات المقدمة للمواطنين، وخاصة المزارعين، سيساعدهم على العودة والبقاء وإنعاش الأراضي الزراعية، وسيساهم في عودة الاستقرار والعيش المشترك.
ولعبت منظمات المجتمع الدولي دوراً بارزاً في هذا الشأن من خلال برامجها وخبراتها ومنح القروض الصغيرة، مثل تلك الممنوحة الآن للمزارعين، للاهتمام بالقطاع الزراعي في مناطقهم، وعلمنا مؤخراً عن جهود غرفة التجارة الكلدانية الأمريكية في دعم اهل المنطقة ونأمل أن تستمر قنوات الاتصال والجسور بيننا، لكي نتمكن من دعم الناس، وتوفير فرص العمل للقطاع الخاص، واستكمال مشاريع الاعمار في سهل نينوى.
س - ماذا عن التغييرات الديمغرافية؟
ج - إن مقاومة التغيرات الديموغرافية والتمسك بالحقوق ولغة القانون تتطلب العزيمة والإرادة الإدارية. كمسيحيين موجودين في هذه الأرض، ندعو أهلنا إلى الصبر والثبات والرسوخ في أرضهم، نحن لدينا رسالة في هذا البلد هي نقل تعاليم السلام والمحبة، حيث كنا أول بناة للحضارة، ونريد أن نساهم في بناء وإعلاء هذا الوطن الذي نأمل أن يكون دولة مدنية تقوم على المواطنة، وندعو الجميع إلى الصلاة من أجل هذا البلد، وأيضاً الثبات والرسوخ في هذه الأرض لأخذ الحقوق الكاملة.
وما يهمنا هو تفعيل القوانين المدنية والقيام بخطوات وقرارت برلمانية ودستورية جريئة للمحافظة على حقوق امتلاك الاراضي ومنع التغيير الديموغرافي، ولكن المشكلة هي عدم الرغبة والقدرة في تطبيق القوانين من قبل أجهزة الدولة. نريد قانون واضح بشأن منع التغيير الديموغرافي والجغرافي، يحدد ويحفظ ممتلكات وأماكن المكونات التاريخية وتغييرات دستورية بشأن قانون الأحوال الشخصية يشعر الناس بالمساواة وأن هذا هو وطنها الذي يحميها.
الدعم الدولي (يو اس أي دي) دور الكنيسة والمنظمات المدنية
س – كان قد وعد نائب رئيس الولايات المتحدة (مايكل بينس) عام 2018 بتخصيص مبلغ 300 مليون دولار اعقبه بزيادة مقدارها 85 مليون دولار لإعمار سهل نينوى، كما وعدت الحكومات العراقية بمبالغ أخرى منها 30 مليون دولار من رئيس الوزراء السوداني عام 2024 وهو مبلغ بخس لا يكفي لبناء مدرسة أو مستوصف ووعود من حكومات ومنظمات للإعادة الإعمار، هل تم ذلك؟
ج – أنا شخصياً كنت في واشنطن عام 2019 عندما تم الإعلان عن هذه المساعدات وكان المفروض ان تذهب هذه المساعدات مباشرة الى من يحتاجها من الناس وليس الى شلة من المنتفعين ولغير المسيحين، وكانت هناك قنوات ملتوية وبيروقراطية وتأخير وفساد ومنافع وقتية ولم تصل المبالغ الى من كان بحاجة لها فعلاً، وأصبح الدعم صفرا بعد انتشار كوفيد -19 والحرب الأوكرانية.
المسيحيون اليوم يعانون من الاحباط، بسبب هذا الاهمال، وتأخير الاعمار، كما توجد الكثير من التحديات، وخاصة الهجرة والبطالة وصعوبة التنقل وتطوير هذه المناطق. وأهالي سهل نينوى وبعد التدمير والحرق الذي تعرضت له مناطقهم وقراهم، والتهجير القسري الذي تعرضوا له، أصبحوا يشعرون بأنهم منسيون وقامت بعض المنظمات مثل سميرتاس اللوثرية واي سي ان (في قره قوش) وفرسان كولومبس (كرمليس) وتلك العاملة مع هنغاريا في إعمار البيوت (في تلسقف)، وشكلت هذه المساعدات التفاتة ورسالة امل لأهلنا في هذه المناطق ولعبت دور مهم في زرع الأمل وتشجيع البقاء وبأنهم غير منسيين.
ومن بين أكثر الدول التي قدمت لنا الدعم لمساعدة المسيحيين في سهل نينوى كانت جمهورية هنغاريا، ونحن نعلم جيدا أن مواقف هنغاريا بخصوص الوجود المسيحي في الشرق الأوسط هي مواقف مشرفة وواقعية وعملية، وخصوصاً في بلدة تلسقف، حيث كانت لهنغاريا حصة كبيرة في إعادة إعمار هذه البلدة، شملت بيوت المواطنين، وجزء من الكنيسة، ورياض الأطفال، ومدرسة نموذجية في بلدة القوش، ومزرعة تعليمية، ستكون بمثابة مدرسة تُعلّم طرق الزراعة الحديثة لأبناء المنطقة جميعاً من دون استثناء، مقامة على أرض الكنيسة في القوش وبالتعاون معها. كما وقمنا بحفر خمسة ابار للمياه والزراعة.
أما (يو اس أي دي) فإنها عملت على إعادة تأهيل شبكات الكهرباء والماء وإنارة الشوارع وإعادة تأهيل منشأة وبنايات ومستوصفات الدولة ودعم تشغيل اليد العاملة، وعملنا معهم في حفر خمسة ابار للمياه، ولكن هل كان هذا الدعم كافٍ وبالمستوى المطلوب؟
زيارة البابا في اذار 2021 (كان يا ما كان عندما زارنا بابا الفاتيكان)
س - كانت زيارة البابا للعراق وسهل نينوى حدث تأريخي رسالته العراق وطن الجميع وللجميع، “كلكم إخوة” ونشر المحبة والأمل ستتذكره الأجيال لعقود وسنوات، فماذا بعد الزيارة وهل من نتائج، إنجازات، أم إخفاقات؟ وهل تعلمنا كيف نستثمر زيارة البابا ما قبل وما بعد الزيارة:
ج – زيارة البابا عام 2021 وضعت سهل نينوى تحت أضواء وسائل الإعلام العالمية وكانت علامة تاريخية حيث كان واضحاً للبابا فرنسيس والعالم مدى إيمان الناس وصمودهم وتجذرهم ورغبتهم في البقاء في مدن أجدادهم التأريخية.
وفي الحقيقة الزيارة كانت سريعة، وأراد قداسة البابا أن يطّلع بنفسه على أمور الحياة في سهل نينوى وكنا نأمل إنجازات كثيرة بعد زيارة البابا وليس محدودة، وبسبب تلك الزيارة البابوية جرت حملات لترميم وإعادة بناء بعض الكنائس من قبل المنظمات الأجنبية والمحلية، ولكن لسوء الحظ، لم يتم ترميم جميع الكنائس والمواقع الدينية التي أحرقها ودمرها ارهابي داعش. ولم تحظ هذه المواقع المهمة في الموصل وأقضيتها بالأولوية من قبل المسؤولين العراقيين. الكنيسة الرئيسية (الطاهرة) في الحمدانية وبنايات الدير كانت تستخدم كميدان للرماية وساحات للتدريب من قبل عصابات داعش.
وأملنا سيبقى حياً ما بقي المستقبل وبعون الرب وسمحت الظروف ستستمر المساعي من أجل إعادة الأمل وتنمية البنية التحتية والاقتصاد، وتوفير فرص العمل في المناطق المسيحية، ومساعدة الكنيسة في إقامة المؤسسات الخدمية الضرورية التي تؤمن العمل للكثير من الشباب، وتقدم الخدمات للمواطنين.
س - ماذا عن إعادة بناء الكنائس والمواقع الدينية المدمرة؟
ج - كمناطق لدينا امتدادات دينية، فمثلاً أبرشية القوش تمتد إلى باطنايا حيث لا تزال هناك كنيسة لم يتم إعمارها، وفي باقوفا كنائس قديمة تحتاج إلى صيانة، وهناك أيضاً مراكز كنسية وأديرة موجودة في سهل نينوى الشرقي وفي منطقة الحمدانية هناك كنائس تحتاج إلى الإعمار، وأديرة تحتاج إلى ترميم من أجل أن تستمر في الشهادة التي قدمتها منذ البداية إلى اليوم.
لكن قبل أن نتكلم عن الكنائس، لنتحدث عن الكثير من البيوت المهدمة والمحروقة، الموجودة في هذه القرى التي تحتاج إلى الإعمار. ونحن ومنذ بداية حملة الإعمار التي قادتها الكنيسة في سهل نينوى، كان هدفنا إعمار البيوت قبل كل شيء، وفعلاً عمرنا بيوت المواطنين قبل أن نعمر الكنائس، لأن الكنائس من أجل المواطن الإنسان، ولا فائدة للكنيسة ما لم يكن الإنسان موجوداً ويعيش بكرامة، لذلك شرعنا في إعمار البيوت المتهدمة والمحروقة أولاً، ثم قمنا بتعمير الكنائس كي تقدم الخدمة في ضوء الحاجة الضرورية لها، ولكن لا تزال الكثير من المؤسسات الكنسية متهدمة وتحتاج إلى بناء وترميم.
ومن المفرح أن نرى أن كنائس الموصل يتم إعادة تأهيلها بالأموال المخصصة لها من قبل الفاتيكان والمنظمات الأجنبية، ونأمل أن تخصص الحكومة العراقية ميزانية لإعادة إعمار الأماكن الدينية ضمن ميزانياتها وخططها المستقبلية.
ما هو مصير الكنيسة المسيحية ومستقبل المسيحيين في العراق
س - الاحصائيات والأرقام تتكلم ونحن نتألم - بعد 25 سنة بحساب الزمان قبل التغيير في 2003 كان عدد المسيحيين أكثر من 1.5 مليون والان 200 ألف ومناظر دمار الموصل وكنائس حوش البيعة وقره قوش وباطنايا تحكي القصة ومن تبقى من مسيحيي العراق والمكونات هم ضعفاء بعد ان تم تهجير خيرة ناسه، ولنكن واقعيين فالمسيحية في العراق لن تعود كما كانت فماذا يخفي لنا المستقبل؟
ج - هذا السؤال الصعب يصادفني كثيراً، ولكن كما نعلم أن هناك انعطافات كثيرة في مسارات التأريخ لا يمكن التكهن بها، والمستقبل يبقى غامضاً وهناك حسابات ايمانية وجذوة حارة ومستمرة قد تقودنا صوب الإجابة الصحيحة فالتحديات كثيرة وكبيرة والمشكلة ليست سياسية ودينية واقتصادية فقط، بل هي فكرية ثقافية مجتمعية وقانونية، ويجب أن تكون هناك خطوات دستورية للحفاظ على حقوق المكونات وحماية الأراضي والممتلكات، والعبرة هي في قوة وعدالة وتطبيق القوانين.
وبسبب الخوف من المستقبل يعاني السكان المحليين من القلق المستمر والعديد من المشاكل التي سببها عدم الاستقرار منذ 2003 وفترات احتلال داعش، وتعد الهجرة وفقدان السكان من أصعب التحديات التي تواجهنا اليوم إضافة الى استتاب الأمن وإنعاش الاقتصاد المحلي وإبعاد منطقة سهل نينوى عن الصراعات السياسية والمحلية.
ولا يزال هناك الكثير مما يتعين القيام به للمساعدة في استعادة المجتمعات المسيحية القديمة في المنطقة، وهي مهمة كبيرة، تتطلب المساعدة الخيرية من المجتمع الدولي بالإضافة إلى التزام وتفاني المؤمنين المحليين. وعلينا ان نؤسس علاقات وأواصر متينة بين الجميع بحيث تكون مبنية على المحبة والتعاون والاحترام المتبادل حتى وان اختلفنا في الانتماء الديني والمذهبي متجاوزين كل العراقيل التي تقف حائلا دون تطوير هذه العلاقة وتوظيفها من اجل الصالح العام.
التمسك بالأرض والهوية المسيحية والوطنية
س – كما نعلم أن الجغرافية تتحكم بالتأريخ، والحكومات المحلية ضعيفة وغير قادرة على حماية الممتلكات والحقوق الفردية والمدنية والدينية في مجتمع احادي ودستور ديني والعراق الذي يطفو على بحر من التراث والتاريخ، لكن العراقيون لا يحافظون على ما لديهم من جواهر في بلادهم وكل نظام ومن يأتي يمحي ما قبله. هل هناك قبس ما أمل في عودة التآخي بين أبناء المنطقة؟
ج - أولوياتنا هي الأمن وسيادة القانون وبناء العلاقات المجتمعية وتوفير بيئة أعمال مستقرة وتطوير الاقتصاد المحلي وتمكين الناس واستعادة الأمل والتعاون المجتمعي وفق الأعراف التأريخية ومبادئ العيش المشترك مع بقية مكونات المنطقة بسلام وانسجام.
بالطبع يحكم هذه الاعراف الاجتماعية أصول وقوانين لأجل تنظيم العلاقات ما بين الافراد ومجتمعهم يدعمها ايمان الجماعة بالخير والنظام والمحافظة على الاخلاق والارض والخير العام. ولكل مجتمع عِرفه المتبع الذي ولد بسبب التجارب والخبرة والدروس لكي يحد من تكرار الأخطاء ويحافظ على ما هو خير وصحيح ويتنعم بالسلام.
ونحن رغم كل الصعوبات والمحن نركز على الأمل ونهتم بالأعراف الاجتماعية الواجب صيانتها والتي تتفق مع ايماننا واخلاقنا، تلك التي تحافظ على ارضنا ومجتمعنا، تلك التي تضمن مصلحتنا وعلاقتنا مع الجار وتبادل الاحترام والمحافظة على الخصوصية. بالطبع هذا ما تنشده كل المجتمعات وان كانت تختلف دينيا وعرقيا. الاعراف تعلمنا ان نحترم عرف الاخرين المختلف وتطالبهم باحترام عرفنا ايضا. ان تطبيق الاعراف لا يعني ابدا اتخاذ موقف عنصري تجاه الغير، ولكن خلق بيئة تحافظ على الخصوصية. الاعراف الاصيلة هي خطوط حمراء تستحق الاحترام ولا يمكن بأية حال ان تضرب عرض الحائط او تفسر حسب رغبة فردية او نفعية او لذرائع مهما كانت.
نحن بحاجة ماسة الى التعاون وتكثيف الجهود من اجل عملية بناء مجتمعنا وذلك لا يتم الا بالعمل والتآلف وكسر الحواجز وازالة العثرات التي قد تؤدي الى عرقلة هذه العملية وعلينا ان نستثمر ونعمل من اجل تذليل كافة الصعوبات خصوصا اننا نعيش تحديات عالمية وصراعات وتناحرات نحن في غنى عنها ، واجبنا ان نقف معا متحدين ونتمسك بقوة الايمان والكنيسة ، لنعود الى الماضي البعيد ونجعل من آبائنا وأجدادنا الذين كانوا يعملون يدا واحدة من اجل خير المجتمع مثالا نقتدي به لمواجهة الصعوبات والاستفادة من مكانتنا الروحية في خدمة المجتمع وحفظ التراث.
حفظ التراث واللغة والعادات والتقاليد في المهجر؟
على الرغم من أن العراقيين الكلدان يعيشون ويندمجون في مجتمع الغرب، إلا أن معظمهم ظلوا مرتبطين ببلدهم الأصلي، ومتصلين بأقاربهم وأصدقائهم ووطنهم، ومتعلقين بثقافتهم الأصلية، ولغتهم الأم، وحريصين على الحفاظ على هويتهم العراقية المسيحية الوطنية. ولكن للزمان والمكان احكام وذوبان الأجيال في بحور المهجر الأمريكي امر حتمي وزمني لا يمكن إيقافه، ولكن بالإمكان تأجيله باتباع استراتيجيات عملية في البيت والمجتمع، وهنا يأتي دور التربية والتعليم في المدارس، فمثلاً في العراق كانت المدارس تؤام للكنائس إلا هنا في أمريكا؟ فهل لدينا خارط طريق لهندسة المستقبل؟ ماهي رؤيتكم وتوصياتكم؟
ج - التعليم والإيمان هما منارة الأمل للمواطنين العائدين. فالتعليم والمدارس والمعلمين كانوا أساسيين عندنا في المنطقة؛ وكانت مهنة التعليم تاريخيا أفضل مساهمة للمسيحين في ريادة التعليم المبكر في العراق. ولذلك فإن الأيمان والتعليم اساسيان في بناء، وتنمية المجتمع، وحفظ التقاليد والأعراف. وكما كان في العراق أيام زمان، فإن الجالية بحاجة الى مدارس خاصة تعنى بتدريس مبادئ اللغة الكلدانية قراءة وكتابة وكلام وبشكل خاص المجموعة الابتدائية والأصغر سنًا. ولربما الاعراف واللغة في نظر بعض العوائل ليست مهمة وتعتبر خروج عن المدنية الغربية او انها تحد من الاندماج في المجتمع الأمريكي، ولكن هذا التنظير خاطئ في مجتمع خليط نجد فيه المكسيكي والهندي والأسيوي والعربي يتكلم بلغته ويدرك أن الاعراف تحافظ على خصوصية الشخص وتحافظ على أهميته في مجتمع مختلط الثقافات واللغات ويدعم مصلحة المكونات.
ومن الغريب انني اشاهد بعض المتناقضات، فمثلاً نجد البيت عراقي في كل شيء، فالطبخ عراقي والأغاني عراقية والمناسبات والأعراس عراقية وأباء وامهات يتحدثون العربية والسورث مع أبنائهم، ولكن الصغار يجاوبون بالإنكليزية ويصلون بالإنكليزية.
نحن نعلم بأن الصغار يتعلمون بحكم المدارس والبيئة والمجتمع وضرورات الحياة في أمريكا اللغة الإنكليزية بسهولة وهذا لا يلغي اهميتها، ولكني اشعر بالفرح عندما أزور بعض البيوت واشاهد كيف يتكلم الأب والأم مع أطفالهم بلغتنا السورث بل ويصلون معهم، ولكن هذا لا يكفي، إذ نريد طقوس وقداديس أكثر بالسورث ونتمنى ان يكون للجالية مدارس ومراكز ثقافية أكثر تعتني بالثقافة واللغة والتراث.
وأنا سعيد جدا لقيامكم ببناء فرع جديد للمؤسسة يحوي جزء من الأرشيف الثقافي للجالية ومكتبة، ومسرح وقاعة للفعاليات التعليمية وخدمات لمؤسسة الجالية الكلدانية الجديدة في مدينة ويست بلومفيلد وسيضم جناح الإبادة في المركز التراثي الكلداني الجديد في مدينة ويست بلومفيلد وسنعمل على التعاون معكم للحصول على مقتنيات الإبادة – بسبب داعش.
تشجيع الزيارات لأرض الوطن
ج - أملي هو بالجيل الجديد والشباب الصاعد وأن اشاهد رحلات شبابية سنوية للطلاب والشباب الى سهل نينوى والعراق وزيارة البلدات والاطلاع على الجغرافية والتأريخ والكنائس والمزارات وتبني البرامج المشتركة ودعم تشجيع تصنيع وشراء المنسوجات والأزياء اليدوية التي تقوم بها نساء المنطقة في بيوتهن وتسويق منتوجات المزارعين المحلية. وهذه فرص ذهبية ومهمة ليكون المرء حصة في أن يسمع اللغة في عقر دارها ويدخل عالم الناس في المنطقة ويرى الأزياء ويخلق صداقات وعلاقات سيما ونحن نعاصر تقنيات العصر ووسائل التواصل الاجتماعي.
وكمثال لهذا زارنا قبل أشهر من هذا العام وفد من منظمة كشرو الشبابية والبالغ عددهم أكثر من 60 شاب وشابة قادمين من امريكا وكندا واستراليا واوربا وقاموا بزيارة جميع مناطق وقرى شعبنا في السهل والجبل وبحضور الاب سليمان حنا كاهن كنيسة القوش. ومنظمة كشرو (كشرا) هي منظمة شبابية غير حكومية وغير ربحية تنظم رحلات سنوية الى ارض الوطن من جميع انحاء العالم بهدف ربط أبناء شعبنا في المهجر مع الساكنين في الوطن، من اجل زيادة الروابط القومية والاجتماعية وتقوية وحفظ اللغة والتذكير بالتراث.
انطباعات زيارتكم الى أمريكا
س – لقد زرتم وشاهدتم التطور والنمو الحاصل في أوساط الجالية الكلدانية والمسيحية في ولاية ميشيغان التي بلغ تعدادها أكثر من185000 ألف عراقي مسيحي يدعمون اقتصاد الولاية بأكثر من 18 مليار دولار سنوياً حسب دراسات جامعية ومن خلال أعمالهم ومؤسساتهم فماهي الانطباعات وماهي الأوليات التي تتمنون تحقيقها؟
ج – نعم، لقد سبق وان زرت الولايات المتحدة خمسة مرات وجاءت هذه الزيارة كفرصة جديدة للقاء اهلنا وابناء شعبنا في أمريكا وتحقق ذلك خلال هذه الزيارة حيث استضافتني بعض الجمعيات والنوادي الاجتماعية والواجهات الثقافية وتحدثنا عن الوضع في العراق بشكل عام وعن بلداتنا في سهل نينوى بشكل خاص، ولمست في هذه اللقاءات مدى النمو الإيجابي الحاصل في مؤسسات الجالية والتطور الاقتصادي والمجتمعي والتعليمي والأكاديمي الإيجابي في صفوف العوائل، وقد اكد الجميع على الاستمرار والتواصل معنا لكي تبقى المحبة والارض والوطن تجمعنا بالرغم من البعد و العوامل الجغرافية التي تحول دون لقائنا.
واقول للجميع علينا التمسك بالأرض وزرع الوعي بين الناس وان نبقى اوفياء ولا نستغني عن الوطن ونكون قريبين دوما مع اهالينا في ابرشيتنا ونعمل معا في تقديس الخدمة الروحية بحيث تكون مواكبة للعصر فليس لدينا طريق آخر سوى العمل يد بيد ونسير معا لتطوير وتقدم المجتمع ولا يمكننا ان نخدم الا بالإيمان بالرب المسيح رسول الانسانية والسلام.
هل لديكم أي إضافة تريدون مشاركتها مع قراء مجلة اخبار الكلدان (كالديان نيوز)؟
أود أن أشكركم د عضيد يوسف ميري ومجلة اخبار الكلدان على هذه المقابلة وعلى جهودكم في تنوير القراء من خلال مطبوعاتكم ونشاطاتكم الإعلامية على منصات التواصل الاجتماعي واعزز تمنياتي لكادر المجلة بالنجاح والتقدم لإغناء الثقافة العامة في المهجر من خلال ما تطرحونه من المقالات والنشاطات المتنوعة.
وأود أن أقول كم نحن معجبين بدور المؤسسات المدنية وسط الجالية الكلدانية والعراقية وتطور مستوى الخدمات للمهاجرين الجدد والتوسع الجغرافي والمجتمعي الذي تقوم به الجالية الكلدانية الأمريكية والنشاط الاستثنائي لرئيس مؤسسة الجالية الكلدانية وغرفة التجارة الكلدانية الأمريكية مارتن منّا وخبرات الفريق الإداري والخدمي.
مجلة اخبار الكلدان تقدم الشكر والتقدير
للمطران ثابت مواقف جريئة وثابتة تستحق الاهتمام والثناء إذ قام عبر الأعوام بخدمات متميزة لرعيته في كرمليس و ابرشية الموصل والنازحين وسعى للحفاظ على المخطوطات التاريخية والوثائق الكنسية التي لا تقاس بثمن، وعمل قبل التهجير الداعشي واثناء النزوح و بعد العودة بدور فعال وجهد ثابت ، وبدورها تثمن وتقدر اسرة مجلة اخبار الكلدان مبادرات المطران الجليل بولص ثابت وتتمنى له النجاح في خدمته ورسالته السامية وتقوية الحضور الكلداني في أبرشيته، وتشكر ما تفضل به من أجوبة التي هي درس من الدروس الأساسية في التربية الإنسانية يتعلم منها الجميع الإيمان والأمل والمحبة والعدالة وكيفية التعامل الصحيح بين أفراد المجتمع لكي يعيش الجميع بالسلام والوئام الذي ينشده كل إنسان يحترم انسانيته، ونتمنى أن يستمر الرب في مباركته ومباركة كنيسته وابرشيته.