تلكيف‭ ‬بين‭ ‬الماضي‭ ‬والحاضر

ربانين‭ ‬وقدحي‭ ‬شاي

على‭ ‬أطلال‭ ‬تل‭ ‬أثري‭ ‬ومحيطه،‭ ‬تقع‭ ‬مدينة‭ ‬تلكيف‭ ‬التي‭ ‬تستمد‭ ‬اسمها‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬التل‭. ‬يعود‭ ‬تاريخها‭ ‬إلى‭ ‬قرون‭ ‬عديدة‭ ‬قبل‭ ‬الميلاد،‭ ‬بدليل‭ ‬القطع‭ ‬الأثرية‭ ‬التي‭ ‬وجدها‭ ‬المنقبون‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬التل،‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬المقبرة‭ ‬الحالية‭. ‬اسمها‭ ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬الكلدانية‭ ‬“تل‭ ‬كيبي”،‭ ‬ويقابلها‭ ‬“تل‭ ‬الحجارة”‭ ‬باللغة‭ ‬العربية‭. ‬كانت‭ ‬تسمى‭ ‬“شبيتيان‭.‬

تذكر‭ ‬المصادر‭ ‬أن‭ ‬تلكيف‭ ‬تعرضت‭ ‬عام‭ ‬1508م‭ ‬للنهب‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬المغول،‭ ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬1562م‭ ‬اختفى‭ ‬اسم‭ ‬تلكيف‭ ‬وراء‭ ‬اسم‭ ‬“شبيتيان”‭ ‬في‭ ‬قائمة‭ ‬الخورنات‭. ‬أما‭ ‬بعد‭ ‬هذا‭ ‬التاريخ،‭ ‬فإن‭ ‬اسم‭ ‬تلكيف‭ ‬يأتي‭ ‬بتواتر،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬عشرات‭ ‬المخطوطات‭ ‬الكلدانية‭ ‬التي‭ ‬ترجع‭ ‬إلى‭ ‬عصور‭ ‬متأخرة،‭ ‬وقد‭ ‬تفرقت‭ ‬في‭ ‬عدة‭ ‬خزانات‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬أنها‭ ‬كتبت‭ ‬في‭ ‬تلكيف،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬مؤلفها‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬أهاليها‭. ‬وقد‭ ‬نُسخت‭ ‬هذه‭ ‬المخطوطات‭ ‬بين‭ ‬القرن‭ ‬السابع‭ ‬عشر‭ ‬وأوائل‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬وأقدمها‭ ‬مؤرخ‭ ‬عام‭ ‬1648م‭. ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬1822،‭ ‬قال‭ ‬المنشئ‭ ‬البغدادي‭ ‬عن‭ ‬تلكيف‭ ‬إنها‭ ‬قرية‭ ‬تبلغ‭ ‬بيوتها‭ ‬ثلاثة‭ ‬آلاف‭ ‬بيت‭ ‬من‭ ‬المسيحيين‭ ‬الكلدان‭.‬

وللغوص‭ ‬في‭ ‬أبعاد‭ ‬عميقة‭ ‬لهذه‭ ‬المدينة‭ ‬ومعرفة‭ ‬تفاصيل‭ ‬أوفر‭ ‬وأدق،‭ ‬استضفنا‭ ‬أحد‭ ‬أبنائها،‭ ‬وهو‭ ‬السيد‭ ‬يحيى‭ ‬خضر‭ ‬تيلا،‭ ‬الذي‭ ‬له‭ ‬اهتمامات‭ ‬ثقافية‭ ‬وإلمامات‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭. ‬وقد‭ ‬زودنا‭ ‬بالكثير‭ ‬من‭ ‬المعلومات‭ ‬ضمن‭ ‬محاور‭ ‬هذا‭ ‬التحقيق‭ ‬الصحافي،‭ ‬الذي‭ ‬يعمد‭ ‬إلى‭ ‬تسليط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬حقبات‭ ‬زمنية‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬تلكيف‭ ‬والتركيز‭ ‬على‭ ‬محطات‭ ‬مهمة‭ ‬فيها‭.‬

يقول‭ ‬السيد‭ ‬يحيى‭: ‬“كانت‭ ‬تلكيف‭ ‬قديماً‭ ‬قرية‭ ‬تابعة‭ ‬لولاية‭ ‬الموصل،‭ ‬يحكمها‭ ‬رئيس‭ ‬القرية‭ ‬مع‭ ‬المختارين،‭ ‬والمرجع‭ ‬كان‭ ‬والي‭ ‬الموصل‭. ‬في‭ ‬العهد‭ ‬الملكي‭ ‬أصبحت‭ ‬مركزاً‭ ‬للناحية،‭ ‬وفي‭ ‬سنة‭ ‬1970‭ ‬ارتقت‭ ‬لتكون‭ ‬مركز‭ ‬قضاء،‭ ‬وأول‭ ‬قائمقام‭ ‬كان‭ ‬السيد‭ ‬سلام‭ ‬ميخا‭ ‬جميل‭. ‬هذه‭ ‬المدينة‭ ‬هي‭ ‬مركز‭ ‬القضاء،‭ ‬وتبعد‭ ‬عن‭ ‬الموصل‭ ‬15‭ ‬كم‭ ‬باتجاه‭ ‬الشمال،‭ ‬وتتبع‭ ‬لها‭ ‬ثلاث‭ ‬نواحٍ‭ ‬هي‭ ‬القوش،‭ ‬ووانة،‭ ‬وفايدة”‭.‬

أحياؤها‭ ‬القديمة

رغم‭ ‬اتساع‭ ‬رقعة‭ ‬البناء‭ ‬فيها‭ ‬وزيادة‭ ‬حجم‭ ‬العمران‭ ‬في‭ ‬أحيائها،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الأزقة‭ ‬القديمة‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬تحتفظ‭ ‬بعبق‭ ‬أبناء‭ ‬البلدة‭ ‬وتاريخها‭ ‬العتيق،‭ ‬حيث‭ ‬البيوت‭ ‬القديمة‭ ‬المصممة‭ ‬على‭ ‬طرازٍ‭ ‬عمرانيٍ‭ ‬عريق،‭ ‬مرتبطةً‭ ‬تمامًا‭ ‬بأصالة‭ ‬أهلها‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يطولها‭ ‬التغيير‭ ‬الديمغرافي،‭ ‬وتتلاشى‭ ‬منها‭ ‬ملامحها‭ ‬وسماتها‭ ‬المعهودة‭. ‬فليس‭ ‬باستطاعة‭ ‬أبنائها‭ ‬وبناتها‭ ‬الذين‭ ‬عاشوا‭ ‬وترعرعوا‭ ‬فيها،‭ ‬رغم‭ ‬بعدهم‭ ‬عنها‭ ‬اليوم،‭ ‬أن‭ ‬يزيلوا‭ ‬من‭ ‬مخيلتهم‭ ‬أسماء‭ ‬الأحياء‭ ‬والمحلات‭ ‬التي‭ ‬تربوا‭ ‬فيها‭. ‬فهي‭ ‬اثنا‭ ‬عشر‭ ‬محلةً،‭ ‬وجميعها‭ ‬تحمل‭ ‬أسماء‭ ‬عائلاتٍ‭ ‬أو‭ ‬عشائر،‭ ‬والتي‭ ‬هي‭ ‬تأكيدٍ‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬محفورةً‭ ‬في‭ ‬أذهان‭ ‬العديد‭ ‬ممن‭ ‬عاشوا‭ ‬فيها‭. ‬فكل‭ ‬حجرٍ‭ ‬في‭ ‬بيوتها‭ ‬له‭ ‬وقعٌ‭ ‬مميزٌ‭ ‬لمن‭ ‬يحن‭ ‬إلى‭ ‬تراب‭ ‬آبائه‭ ‬وأجداده‭. ‬ويقول‭ ‬ضيفنا‭ ‬السيد‭ ‬يحيى‭: ‬“إن‭ ‬أسماء‭ ‬المحال‭ ‬هي‭ ‬على‭ ‬النحو‭ ‬الآتي‭: ‬أسمر،‭ ‬يلدا،‭ ‬أورو،‭ ‬دخو،‭ ‬عبرو،‭ ‬كيزي،‭ ‬قاشات،‭ ‬سامونا،‭ ‬شعيوتا،‭ ‬شممامي،‭ ‬شنگو،‭ ‬ومارتشموني،‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬اسمها‭ ‬سابقًا‭ ‬شوقا‭ ‬دبي‭ ‬عبّو”‭.‬

نجوم‭ ‬ساطعة

كان‭ ‬البعد‭ ‬التاريخي‭ ‬للمدينة‭ ‬والحضارة‭ ‬المسيحية‭ ‬المكتسبة‭ ‬منذ‭ ‬العهود‭ ‬الأولى‭ ‬لانبثاقها‭ ‬منهلين‭ ‬عذبين‭ ‬استقى‭ ‬منهما‭ ‬أبناء‭ ‬تلكيف‭ ‬شتى‭ ‬أسس‭ ‬العلوم‭ ‬والمعرفة،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬مكنهم‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬بارعين‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬حياتية‭ ‬مختلفة‭. ‬فقد‭ ‬أنجبت‭ ‬تلكيف‭ ‬عبر‭ ‬تاريخها‭ ‬الحافل‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأسماء‭ ‬البارزة،‭ ‬منهم‭ ‬من‭ ‬خدم‭ ‬ويخدم‭ ‬في‭ ‬كرمة‭ ‬الرب‭ ‬من‭ ‬رجال‭ ‬دينٍ‭ ‬مسيحيين‭ ‬أجلاء،‭ ‬وكثيرٌ‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬الفكر،‭ ‬والثقافة،‭ ‬والأدب،‭ ‬والفنون‭.‬

ويذكر‭ ‬ضيفنا‭ ‬أن‭ ‬أهم‭ ‬الشخصيات‭ ‬التي‭ ‬تسعفه‭ ‬ذاكرته‭ ‬بنقلها‭ ‬لنا‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬سمع‭ ‬عنها‭ ‬أو‭ ‬يعرفها،‭ ‬والذين‭ ‬تخصصوا‭ ‬في‭ ‬مجالاتٍ‭ ‬عدة،‭ ‬منهم‭ ‬رجال‭ ‬الدين‭ ‬والمثقفون‭ ‬والشخصيات‭ ‬المجتمعية‭ ‬المؤثرة‭. ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬أدنى‭ ‬شك،‭ ‬الأسماء‭ ‬المذكورة‭ ‬ليست‭ ‬وحدها‭ ‬من‭ ‬اشتهرت‭ ‬وذاع‭ ‬صيتها،‭ ‬فهناك‭ ‬كثيرٌ‭ ‬منهم‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬السنين‭ ‬أسهموا‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬المجتمع‭ ‬ورسم‭ ‬لوحاتٍ‭ ‬خلابةٍ‭ ‬في‭ ‬مناحٍ‭ ‬حياتية‭ ‬مختلفة‭.‬

كنسياً

‭ ‬البطريرك‭ ‬مار‭ ‬يوسف‭ ‬الثاني‭ ‬آل‭ ‬معروف

‭ ‬البطريرك‭ ‬مار‭ ‬عمانوئيل‭ ‬دلي

‭ ‬المطران‭ ‬باسليوس‭ ‬أسمر

‭ ‬المطران‭ ‬كوركيس‭ ‬گرمو‭ ‬

المطران‭ ‬إبراهيم‭ ‬إبراهيم

المطران‭ ‬سرهد‭ ‬جمو

المطران‭ ‬فرانك‭ ‬قلابات

المطران‭ ‬رمزي‭ ‬گرمو‭ ‬

المطران‭ ‬باسليوس‭ ‬يلدو

الأب‭ ‬لوسيان‭ ‬جميل

الأب‭ ‬يوسف‭ ‬بن‭ ‬جمال‭ ‬الدين

الشماس‭ ‬يوسف‭ ‬ميري

الصحافة

اسكندر‭ ‬آل‭ ‬معروف

مريم‭ ‬نرمي‭ ‬آل‭ ‬رومايا

يوسف‭ ‬مالك

يوسف‭ ‬هرمز‭ ‬جمو

الموسيقى

خضر‭ ‬الياس‭ ‬ثويني

‭ ‬ناظم‭ ‬نعيم‭ ‬آل‭ ‬سلمو

حكمت‭ ‬داود

رفائيل‭ ‬بابو‭ ‬إسحق‭ - ‬مؤرخ

ماريا‭ ‬تيريزا‭ ‬أسمر‭ - ‬كاتبة

شموئيل‭ ‬جميل‭ - ‬مؤلف‭.‬

الشعر

توماس‭ ‬تكتك

زريف‭ ‬عصار

حني‭ ‬نويثة

يلدا‭ ‬قلا

شوقي‭ ‬قونجا

الشخصيات‭ ‬الاجتماعية

حنا‭ ‬پاجور‭ ‬آل‭ ‬حمي‭ ‬ريس‭ (‬لقب‭ ‬رئيس‭ ‬القرية‭)‬

يوسف‭ ‬عبرو‭ ‬ريس‭ ‬

يوسف‭ ‬سموكا‭ ‬آل‭ ‬حكيم‭ ‬ريس

جرجيس‭ ‬آل‭ ‬عكام‭ ‬

منصور‭ ‬هيلو

الكنائس‭ ‬والمزارات

في‭ ‬السبعينيات‭ ‬والثمانينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬لجأت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬العائلات‭ ‬إلى‭ ‬تلكيف‭ ‬نتيجة‭ ‬سياسة‭ ‬التهجير‭ ‬التي‭ ‬اتبعها‭ ‬النظام‭ ‬السابق،‭ ‬حيث‭ ‬جُرّفت‭ ‬القرى‭ ‬الكردية‭ ‬والمسيحية‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬كردستان‭. ‬وقد‭ ‬ساهم‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬زيادة‭ ‬عدد‭ ‬المسيحيين‭ ‬في‭ ‬المدينة،‭ ‬وبناءً‭ ‬عليه‭ ‬شُيّدت‭ ‬عدة‭ ‬كنائس‭ ‬تمثل‭ ‬الطوائف‭ ‬المسيحية‭ ‬المختلفة‭. ‬تضم‭ ‬البلدة‭ ‬اليوم‭ ‬كنيسة‭ ‬المشرق‭ ‬الآشورية‭ ‬وكنيسة‭ ‬الشرقية‭ ‬القديمة،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬الكنيسة‭ ‬الأم،‭ ‬الكنيسة‭ ‬الكلدانية‭. ‬وتحتوي‭ ‬البلدة‭ ‬على‭ ‬ثلاث‭ ‬كنائس‭ ‬رئيسية‭: ‬كنيسة‭ ‬قلب‭ ‬يسوع‭ ‬الكبرى،‭ ‬كنيسة‭ ‬مار‭ ‬بطرس‭ ‬وبولس،‭ ‬وكنيسة‭ ‬مريم‭ ‬العذراء،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬كنيسة‭ ‬مزار‭ ‬مار‭ ‬يوسف‭.‬

المزارات‭ ‬الداخلية

• مزار‭ ‬مارت‭ ‬شموني‭ ‬وأولادها

• مزار‭ ‬مار‭ ‬يوحنا

• مزار‭ ‬بخت‭ ‬سهذا

المزارات‭ ‬الخارجية

• مزار‭ ‬مار‭ ‬دانيال‭ ‬ابن‭ ‬السيد

• مزار‭ ‬مارت‭ ‬شموني

• مزار‭ ‬عربيني

السوق

في‭ ‬ظل‭ ‬الحياة‭ ‬البسيطة‭ ‬والمتواضعة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬سائدة‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬المناطق‭ ‬الريفية،‭ ‬ومع‭ ‬قلة‭ ‬أو‭ ‬غياب‭ ‬أماكن‭ ‬الترفيه‭ ‬مثل‭ ‬المطاعم‭ ‬والمتنزهات‭ ‬وغيرها،‭ ‬التي‭ ‬تتوفر‭ ‬حالياً،‭ ‬كان‭ ‬السوق،‭ ‬ولعقود‭ ‬طويلة‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬وحتى‭ ‬الثمانينيات،‭ ‬وجهة‭ ‬يقصدها‭ ‬الناس‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬للتبضّع،‭ ‬بل‭ ‬باعتباره‭ ‬متنفساً‭ ‬اجتماعياً‭ ‬وملتقى‭ ‬لتبادل‭ ‬الأحاديث‭ ‬واللقاءات‭ ‬وقضاء‭ ‬الوقت‭. ‬وكانت‭ ‬تنتشر‭ ‬في‭ ‬أرجاء‭ ‬السوق‭ ‬بعض‭ ‬المقاهي‭ ‬المخصصة‭ ‬للرجال‭ ‬فقط‭.‬

ويذكر‭ ‬السيد‭ ‬يحيى‭ ‬أن‭ ‬سوق‭ ‬تلكيف‭ ‬كان‭ ‬يضم‭ ‬عدداً‭ ‬من‭ ‬الكازينوهات‭ ‬والچايخانات،‭ ‬مثل‭: ‬عگوفلا،‭ ‬همّز،‭ ‬جوزيف‭ ‬يلدو،‭ ‬نوري‭ ‬عصار،‭ ‬صليو‭ ‬بگال‭.‬

ويضيف‭ ‬السيد‭ ‬يحيى‭ ‬أن‭ ‬موقع‭ ‬سوق‭ ‬تلكيف‭ ‬القديم‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬محلة‭ ‬“يلدا”،‭ ‬حيث‭ ‬ضم‭ ‬خان‭ ‬الكنيسة،‭ ‬وكانت‭ ‬دكاكينه‭ ‬تحتوي‭ ‬على‭ ‬معظم‭ ‬ما‭ ‬تحتاجه‭ ‬الأسرة‭ ‬آنذاك،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬وجود‭ ‬معظم‭ ‬أصحاب‭ ‬المهن،‭ ‬مثل‭ ‬النجار،‭ ‬والحداد،‭ ‬والقصاب،‭ ‬والحلاق،‭ ‬والإسكافي،‭ ‬والبزاز‭. ‬وتميز‭ ‬السوق‭ ‬بصناعاته‭ ‬مثل‭ ‬صناعة‭ ‬الجلود‭ ‬والبارود‭. ‬كما‭ ‬اشتهرت‭ ‬تلكيف‭ ‬ببعض‭ ‬الصناعات‭ ‬الغذائية،‭ ‬مثل‭ ‬الراشي‭ (‬الطحينية‭) ‬و”‭ ‬المونة”‭ ‬كالجريش،‭ ‬والحبية،‭ ‬والبرغل‭.‬

الزراعة‭ ‬وتربية‭ ‬المواشي

تتمتع‭ ‬تلكيف‭ ‬بموقع‭ ‬جغرافي‭ ‬خصب،‭ ‬جعل‭ ‬أهلها‭ ‬يتوجهون‭ ‬بحب‭ ‬وعناية‭ ‬نحو‭ ‬الزراعة،‭ ‬ليجعلوها‭ ‬شرياناً‭ ‬حياتياً‭ ‬يعتاش‭ ‬عليه‭ ‬الكثيرون‭ ‬منهم‭. ‬وقد‭ ‬ازدهرت‭ ‬في‭ ‬أرضها‭ ‬زراعة‭ ‬الحنطة‭ ‬والشعير،‭ ‬وانتشرت‭ ‬فيها‭ ‬مساحات‭ ‬من‭ ‬البقوليات،‭ ‬كالحمص‭ ‬والعدس،‭ ‬وفي‭ ‬أوقات‭ ‬أخرى‭ ‬أبدعوا‭ ‬في‭ ‬زراعة‭ ‬البطيخ‭ ‬والترعوز‭. ‬أما‭ ‬تربية‭ ‬المواشي،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬لأهل‭ ‬تلكيف‭ ‬فيها‭ ‬شأن‭ ‬كبير،‭ ‬إذ‭ ‬أنشؤوا‭ ‬مزارع‭ ‬لتسمين‭ ‬العجول‭ ‬والأغنام،‭ ‬ممّا‭ ‬أثرى‭ ‬قطاع‭ ‬الثروة‭ ‬الحيوانية‭ ‬في‭ ‬البلدة‭.‬

والملفت‭ ‬أن‭ ‬أبناء‭ ‬تلكيف‭ ‬الكلدان‭ ‬ما‭ ‬زالوا‭ ‬يمتلكون‭ ‬حتى‭ ‬اليوم‭ ‬نسبة‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬70‭% ‬من‭ ‬الأراضي‭ ‬الزراعية،‭ ‬والتي‭ ‬تبلغ‭ ‬مساحتها‭ ‬حوالي‭ ‬25‭ ‬ألف‭ ‬دونم،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬ندرة‭ ‬من‭ ‬تبقى‭ ‬منهم‭ ‬في‭ ‬البلدة‭. ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬بعضاً‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأراضي‭ ‬ذهب‭ ‬لإقامة‭ ‬مشاريع‭ ‬بموجب‭ ‬قرارات‭ ‬حكومية،‭ ‬وبِيع‭ ‬بعضها‭ ‬الآخر‭ ‬للقادمين‭ ‬إلى‭ ‬المدينة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬جذورهم‭ ‬بقيت‭ ‬راسخة‭ ‬في‭ ‬ترابها‭.‬

الانتشار‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬المهجر

دفعتهم‭ ‬عوامل‭ ‬دينية‭ ‬وسياسية‭ ‬واقتصادية‭ ‬إلى‭ ‬اتخاذ‭ ‬قرار‭ ‬الهجرة‭ ‬منذ‭ ‬أوائل‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬فتركوا‭ ‬مدينتهم‭ ‬وقلوبهم‭ ‬تتطلع‭ ‬إلى‭ ‬وجهات‭ ‬بديلة‭ ‬داخل‭ ‬العراق‭ ‬وخارجه‭. ‬فتوجه‭ ‬البعض‭ ‬إلى‭ ‬بغداد‭ ‬ومدن‭ ‬أخرى،‭ ‬بينما‭ ‬اختار‭ ‬القسم‭ ‬الأكبر‭ ‬منهم‭ ‬الرحيل‭ ‬إلى‭ ‬بلدان‭ ‬بعيدة،‭ ‬فاستقر‭ ‬كثيرون‭ ‬في‭ ‬ديترويت‭ ‬بولاية‭ ‬ميشيغان‭ ‬الأمريكية‭ ‬وبلدان‭ ‬أخرى،‭ ‬حيث‭ ‬شكلوا‭ ‬مجتمعات‭ ‬جديدة‭ ‬تحاكي‭ ‬موطنهم‭ ‬الأصلي‭.‬

ويروي‭ ‬السيد‭ ‬يحيى‭ ‬أن‭ ‬التقديرات‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬عدد‭ ‬التلكيفيين‭ ‬اليوم‭ ‬يناهز‭ ‬200‭ ‬ألف‭ ‬نسمة،‭ ‬رغم‭ ‬غياب‭ ‬إحصائيات‭ ‬دقيقة،‭ ‬وذلك‭ ‬لتوزعهم‭ ‬في‭ ‬أرجاء‭ ‬العالم،‭ ‬حيث‭ ‬تقطن‭ ‬الغالبية‭ ‬العظمى‭ ‬منهم‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬وأيضاً‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬وكندا‭ ‬وأستراليا‭.‬

وبرع‭ ‬التلكيفيون‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬أرض‭ ‬حلّوا‭ ‬بها،‭ ‬فبرزوا‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الأعمال‭ ‬والتجارة،‭ ‬تاركين‭ ‬بصمة‭ ‬واضحة‭ ‬جعلت‭ ‬الأنظار‭ ‬تتجه‭ ‬إليهم،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬الأحياء‭ ‬التي‭ ‬يسكنونها‭ ‬باتت‭ ‬تُعرف‭ ‬بـ”‭ ‬تلكيف‭ ‬الجديدة”،‭ ‬تقديراً‭ ‬لنجاحهم‭ ‬اللافت‭ ‬وتفوقهم‭ ‬الملموس‭. ‬واليوم،‭ ‬بات‭ ‬التلكيفيون‭ ‬رمزاً‭ ‬للقوة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والسياسية‭ ‬ضمن‭ ‬الجالية‭ ‬الكلدانية‭ ‬في‭ ‬ميشيغان،‭ ‬يحافظون‭ ‬على‭ ‬إرثهم،‭ ‬ويواصلون‭ ‬كتابة‭ ‬قصصهم‭ ‬بتميز‭ ‬واعتزاز‭.‬

أحداث‭ ‬في‭ ‬الذاكرة

مرت‭ ‬تلكيف‭ ‬عبر‭ ‬تاريخها‭ ‬الطويل‭ ‬بأحداث‭ ‬درامية‭ ‬مؤثرة،‭ ‬فقد‭ ‬اجتاحها‭ ‬القائد‭ ‬الروماني‭ ‬زينفون‭ ‬حين‭ ‬كانت‭ ‬تُعرف،‭ ‬كما‭ ‬ذكرنا‭ ‬باسم‭ ‬“شبيتيان”،‭ ‬ومرّت‭ ‬عليها‭ ‬حملات‭ ‬طهماسب‭ ‬وميرا‭ ‬كور‭ ‬الراوندوزي‭ ‬والعثمانيين،‭ ‬ليشهد‭ ‬سكانها‭ ‬ما‭ ‬عانوه‭ ‬من‭ ‬ويلات‭ ‬تلك‭ ‬الحقبات،‭ ‬وكان‭ ‬أقساها‭ ‬فترة‭ ‬السفر‭ ‬برلك‭. ‬وفي‭ ‬الأزمنة‭ ‬الحديثة،‭ ‬عانت‭ ‬المجاعة،‭ ‬وحادثة‭ ‬الطوفان‭ ‬عام‭ ‬1949‭ ‬التي‭ ‬غرق‭ ‬فيها‭ ‬طالبات‭ ‬من‭ ‬المدرسة‭ ‬الابتدائية،‭ ‬ثم‭ ‬جاءت‭ ‬بعدها‭ ‬ثورة‭ ‬الشواف‭ ‬وما‭ ‬تبعها‭ ‬من‭ ‬إعدامات،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬الضحايا‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬تلكيف،‭ ‬والذين‭ ‬نفذ‭ ‬فيهم‭ ‬الإعدام‭ ‬أمام‭ ‬مركز‭ ‬الشرطة‭ ‬القديم‭. ‬وبلغت‭ ‬المآسي‭ ‬ذروتها‭ ‬حين‭ ‬دخل‭ ‬تنظيم‭ ‬داعش‭ ‬المدينة،‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬إفراغها‭ ‬تماماً‭ ‬من‭ ‬سكانها‭ ‬الأصليين‭.‬

وعندما‭ ‬يتحدث‭ ‬السيد‭ ‬يحيى‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الأحداث،‭ ‬تبدو‭ ‬مظاهر‭ ‬الحزن‭ ‬واضحة‭ ‬على‭ ‬ملامحه‭ ‬وهو‭ ‬يروي‭ ‬كيف‭ ‬استباح‭ ‬الإرهاب‭ ‬الداعشي‭ ‬عقر‭ ‬داره‭ ‬في‭ ‬تلكيف،‭ ‬وكيف‭ ‬قضت‭ ‬هذه‭ ‬الهجمة‭ ‬البربرية‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬آمال‭ ‬بقائه‭ ‬في‭ ‬أرض‭ ‬الآباء‭ ‬والأجداد‭. ‬فهو‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬المتشبثين‭ ‬بوطنه،‭ ‬الحالمين‭ ‬بغدٍ‭ ‬أفضل،‭ ‬لكن‭ ‬شدة‭ ‬الصدمة‭ ‬مما‭ ‬حلّ‭ ‬بهم‭ ‬أجبرته‭ ‬وأفراد‭ ‬عائلته‭ ‬على‭ ‬حزم‭ ‬أمتعتهم‭ ‬ومغادرة‭ ‬البلد،‭ ‬قاصدين‭ ‬ملاذاً‭ ‬آمناً،‭ ‬كما‭ ‬فعل‭ ‬الكثيرون‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬جلدته‭ ‬الذين‭ ‬اختاروا‭ ‬هذا‭ ‬السبيل‭.‬

عواصف‭ ‬عاتية‭ ‬ضربت‭ ‬أوتاد‭ ‬هذه‭ ‬المدينة‭ ‬واقتلعت‭ ‬جذور‭ ‬أهلها‭ ‬الطيبين،‭ ‬وبكل‭ ‬محنة‭ ‬مرت‭ ‬بها،‭ ‬نزحت‭ ‬عنها‭ ‬أرواح‭ ‬وذكريات‭ ‬من‭ ‬أبنائها‭ ‬نحو‭ ‬أصقاع‭ ‬الدنيا‭ ‬بحثاً‭ ‬عن‭ ‬وطن‭ ‬بديل‭.‬

واليوم،‭ ‬لم‭ ‬يتبق‭ ‬فيها‭ ‬سوى‭ ‬العشرات‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬الأرض،‭ ‬فهل‭ ‬سيكون‭ ‬هؤلاء‭ ‬هم‭ ‬البذرة‭ ‬التي‭ ‬تثمر‭ ‬وتعطي؟‭ ‬أم‭ ‬أن‭ ‬زوالاً‭ ‬نهائياً‭ ‬ينتظرها،‭ ‬ليبقى‭ ‬منها‭ ‬فقط‭ ‬قبور‭ ‬ساكنيها،‭ ‬شاهداً‭ ‬صامتاً‭ ‬على‭ ‬تاريخ‭ ‬مضى؟‭  ‬

كنيسة‭ ‬قلب‭ ‬يسوع‭ ‬الكُبرى‭ ‬في‭ ‬تلكيف