نكبات ومأسي ومحن الأزيدية في العراق (الجزء الأول)

بقلم د عضيد ميري

من بين سلسلة مقالات مجلة اخبار الكلدان حول محن المكونات الأصيلة والأقليات العرقية والدينية في العراق سبق وأن كتبنا عن أبناء خالتنا الصابئة المندائيين (عدد شهر أكتوبر 2022 ص 38-36)، وسنتناول في هذا العدد مكون عراقي اخر هو ألأزيديون، وبدورنا نأمل أن يلقي هذا المقال الضوء ولمحات على التاريخ العميق لهذا المكون الأصيل وبعض مما يحتاجه القارئ لمعرفة تاريخ وعقيدة ومعيشة ومحنة ومأساة المجتمع الأزيدي في القرن الحادي والعشرين.

استندنا في هذه المقالة الى مصادر وكتب وجهود متميزة قام بها كتاب وباحثين ومؤرخين من اجل توضيح حقيقة من هم ألأزيديون ودراسات تبحث في معتقداتهم وكتبهم الدينية وعشائرهم وعاداتهم والبيئة الاجتماعية واخبارهم التاريخية في الشيخان وسنجار. ومن بين هؤلاء الكتاب والمؤلفين المرموقين نذكر المؤرخ عبد الرزاق الحسني وكتبه (عبدة ابليس وكتاب اليزيديون في حاضرهم وماضيهم 1951) ، وكتاب (عبدة ابليس) لمؤلفه نوري باشا والي الموصل ونقله محمود فخري عام 1913) والكاتب الموصلي صديق الدملوجي (اليزيدية 1949)، وعباس العزاوي (تاريخ اليزيدية واصل عقيدتهم 1935) وسعيد الديهوجي (اليزيدية وتأريخ الموصل ) والقاضي زهير كاظم عبود (لمحات عن اليزيدية 1994) والدكتور سامي سعيد الأحمد (اليزيدية -احوالهم ومعتقداتهم 1971) و(اليزيدية في سوريا وسنجار – لمؤلفه روجيه ليسكو - ترجمة احمد أمين). ان النصوص الشرقية والمترجمة المتوفرة وكذلك قلة وندرة التدوين اليزيدي لا تسمح بملأ الفراغ الموجود في المصادر سيما وأن المأثور الديني انتقل إليهم وفيما بينهم كان شفهيا، وهناك كتيبات قليلة تُعتبر الأدب المقدس للطائفة أهمها كتاب الجلوة (كتاب الوحي) والمصحف الأسود، ولا أحد يعرف مصير ومكان وجود هذين الكتابين الذي اعيد كتابتها وتغيرت نصوصها ومضمونها ومصداقيتها ويُعتقد ان أصولها تعود الى كتابات رهبان ميزوبوتاميا العليا.

مقدمة

الأزيديون (أو اليزيديون) هم مجموعة أقلية ناطقة باللغة الكًرمانجية وهم السكان الأصليون في شمال العراق وكردستان ومناطق جغرافية في غرب آسيا تشمل أجزاء من العراق وسوريا وتركيا وإيران وأرمينيا وروسيا ويتجمع معظم الأزيديين المتبقين في الشرق الأوسط اليوم في العراق، خاصة في محافظتي نينوى ودهوك.

وتشير التقديرات إلى أن العدد العالمي للأزيديين يصل إلى نحو 700 ألف شخص، يتركز معظمهم في الشيخان وسنجار وما حولهما قرب مدينة الموصل، وتضم المنطقة أيضاً المركز الديني للطائفة وأقدس بقعة في العالم عندهم هو مجمع المعابد الحجرية في لالش التي تقع في واد ضيق في تلال منطقة الحكم الذاتي في كردستان العراق.

بقيت هذه البقعة المقدسة مغلقة أمام الغرباء لعدة قرون، وبسبب عزلتهم جغرافياً فهم اعتادوا على مختلف أنواع التمييز، ولكوّنهم يعيشون عموما ثقافة انعزالية فهم نادراً ما يتزاوجون مع مجموعات أخرى، ولا يقبل ألأزيديون التحول الديني إلى عقيدتهم ويُمنع ويرفض أولئك الذين يتزوجون من خارج المجتمع فالزواج من خارج المجتمع محظور والحرمان له عواقب وخيمة إذ يتزاوج اليزيديون فقط مع اليزيديين الآخرين ويُطرد أولئك الذين يتزوجون من غير الأيزيديين من مجتمعهم ولا يُسمح لهم بأن يطلقوا على أنفسهم اسم الأيزيديين ولا يمكن للمرء العادي أن يصبح إيزيدياً.

أغلبية الأزيديين هم من الناس البسطاء والمزارعين غير المتعلمين ولا يعرفون شيئاً عن الدنيا أبعد من مناطق سكناهم ’ واليزيدي يعتبر كريم متواضع ومضياف ويتمتع بأخلاق عالية وشهامة وقيم متوارثة وهو شعب محب للعمل والزراعة ويهتم بالألوان والرقص والأهازيج معتمداً على البساطة وحب المرح وتقديس الربيع وحب الزهور والشمس ويحترم الظواهر الكونية.

ومن المثير للاهتمام تشابه الرموز الثقافية بين الكلدان والآشوريين والأزيديين ومناطق تواجدهم وسكنهم تاريخيا، بالإضافة فيما يتعلق الأمر بالأسماء التي تنتهي بحرف الواو، فمثلا نجد عند الأزيدين أسماء مثل قدو، حدو، حمكو، سفو، رشو، عتو، مسطو، مندو، قولو، وجوكو، وسيدو، ومسطو، إلخ (طالع مقالتنا عن أصول الأسماء الكلدانية في عدد شهر أيار 2024 ص 39).

الهوية والعرق واللغة

اختلف الكتاب والباحثين في نسب واصل اليزيدين، هناك خلاف بين الأراء حول ما إذا كان الشعب اليزيدي مجموعة عرقية دينية متميزة أو مجموعة فرعية دينية من الأكراد، أم هم مجموعة عرقية إيرانية.

فقسم يعتبرهم عرب النسب والأصل وأنهم من قريش وسموا باليزيدية نسبة الى (يزيد بن معاوية بن ابي سفيان)، بينما ارجعهم البعض الأخر الى انهم من الكرد وأن عقيدتهم تعود الى الأشورية والبابلية والديانات الرافدينية القديمة. بينما ربطهم البعض بمجيء (الشيخ عدي بن مسافر الأموي) الذي جاء الى منطقتهم ومناطق نفوذهم مصلحاً ومرشداً ومتصوفاً، فتبعه وامن بطريقته كثيرون.

وهناك من يرجع اصولهم ومعتقداتهم الى بقايا دين قديم جذوره المجوسية والزرادشتية. إذ اجمع الباحثون ان كلمة (أيزد) تعني إله الخير كما ان كلمة (أيزدين) تُعبر عن مدينة فارسية كانت مركزا للديانة الزرادشتية. وكل هذه الفرضيات لا سند لها في التأريخ، إذ لم يذكر التأريخ كون الأزيدية كانت يوما ما طائفة مسلمة او مسيحية، أما ألأزيديون أنفسهم فيقولون ان هذه الاستنتاجات تتباين باختلاف المصادر ولا تستند على النصوص الدينية الأزيدية وعلى ما يمارسونه من طقوس في الخفية تجري بصمت في مرقد الشيخ عدي في لالش ويعتبر التكتم في اظهار المعتقد فرضا عقائديا على كل ازيدي.

وهناك خلافًا بين الإزيديين أنفسهم، إذ يُعرف بعض الأزيديين المعاصرين أنفسهم عرقياً بأنهم مجموعة فرعية من الشعب الكردي. ويرى آخرون أنفسهم على أنهم يتمتعون بهوية عرقية مميزة مثل الأزيديين. وتتم ملاحظة الممارسات الثقافية الأزيدية في اللغة الكرمانجية، التي تستخدمها جميع تقاليدهم الدينية المنقولة شفهيًا. والكرمانجية هي أقصى شمال اللغات الكردية القريبة من إيران، ولغتهم أملت عليهم أن يطلقوا على أنفسهم وطريقتهم في العبادة (عبدة الله) فيقولون بالفارسية (يزد-ان) التي تعني الخالق بالفارسية وتطور ذلك فيما بعد ليصبح يزيدية.

وبعض رجال الدين ألأزيديون يعتبرون أن أصل تسميتهم الصحيح هو (عدوييوون) نسبة الى (الشيخ عدي بن مسافر) ودينهم (بالدين العدووي)، كما وانهم يسمون أنفسهم (بالداسنية) وهي كلمة تعني عابد الإله، وأن الطائفة موجودة منذ الأزل وهي من نسل ادم وحده وان الأديان الأخرى هي من نسل أدم وحواء. ولكن اثناء حكم العثمانيون نسبت إليهم تسمية (يزيديون) وليس أزيديون لينسبوهم الى يزيد ابن معاوية من أجل تأليب المسلمين ومعتنقي المذهب الجعفري ضدهم.

في أرمينيا والعراق، يتم الاعتراف بالأزيديين كمجموعة عرقية متميزة. وفي جورجيا وألمانيا، يُنظر إليهم على أنهم أكراد وفي سجلات الاتحاد السوفييتي السابق (روسيا) يعتبر الأزيديين والأكراد كمجموعتين عرقيتين مختلفتين في تعداد عام 1926، لكنه جمعهما معًا كعرق واحد في التعدادات السكانية في الفترة من 1931 إلى 1989.

ولكن ما هو مؤكد أن ألأزيديون يتكلمون اللغة الكردية وهم منتشرون في اسيا الصغرى كلها وأن تجمعاتهم الكبرى موجودة في العراق كتجمع الشيخان (المركز الديني للطائفة) شمال شرق الموصل وتجمع سنجار غرب مدينة الموصل.

المعتقدات الدينية والتقاليد

غالباً ما يُساء فهم الديانة الأزيدية، لأنها لا تتناسب تماماً مع الفسيفساء الطائفية في العراق. فالأزيدية هي الديانة العرقية للشعب الأزيدي وهي دينية توحيدية بطبيعتها، ولها جذور في العقيدة الإيرانية ما قبل الزرادشتية. وكلمة يزيدية تعني “خادم الخالق”. ويطلق على أتباعهم بالعامية اسم “أهل الطاووس ملك”. وتقول بعض الأساطير التقليدية أن الأزيديين كانوا أبناء آدم وحده، وبالتالي منفصلين عن بقية البشرية.

وفي حين أن أصول المعتقد الدقيقة هي مَحل خِلاف، يبدو أن الأصول القديمة لليزيدية هي مزيج من العناصر الوثنية والزرادشتية والمانوية، واليهودية، والمسيحية النسطورية، والمسلمة. هناك العديد من الجوانب القديمة الأخرى للعقيدة التي تشير إلى أنها قد تكون من بين الأقدم في العالم ويعود تاريخ تقويمها إلى 6756 عامًا. ما يقرب من 5000 سنة أبعد من التقويم المسيحي أو الغريغوري وما يقرب من 1000 سنة أبعد من التقويم اليهودي.

ظهرت اليزيدية في القرن الثاني عشر عندما أسس الشيخ عدي، بعد دراسته في بغداد، طريقة خاصة به تسمى العدوية. مذكور في المصادر العربية في العصور الوسطى باسم أكراد عدوية (عدوية الأكراد). ويعتقد بعض العلماء أن اليزيدية تشكلت عندما استقر الزعيم الصوفي الشيخ عدي بن مسافر في كردستان في القرن الثاني عشر وأسس مجتمعًا يمزج عناصر الإسلام مع معتقدات ما قبل الإسلام المحلية، وحين استقر في وادي لالش قدّم مذاهبه إلى الأكراد المحليين وكان يمارس عقيدة إيرانية قديمة كانت منفصلة عن الزرادشتية على الرغم من تشابهها معها وكانت من أصل ما قبل الزرادشتية. وبعد وفاته عام 1162م، مزج تلاميذه وخلفاؤه مذاهبه وتعاليمه مع التقاليد الإيرانية المحلية والقديمة.

اعتنقت العديد من القبائل والإمارات الكردية الديانة اليزيدية. وتحتوي المخطوطات اليزيدية، التي تسمى (ميشور) التي تم تدوينها في القرن الثالث عشر، على قوائم بالقبائل الكردية التي كانت تابعة لبير اليزيدين، ولكن لم يتم نشر سوى اثنتين فقط من إجمالي المخطوطات الأربعين حتى الآن!

ابتداءً من القرن الرابع عشر، بنى ألأزيديون أجهزتهم الدينية والسياسية الداخلية الخاصة بهم في الأراضي التي يسكنونها، وتم تقسيم الأراضي اليزيدية إلى سبعة مراكز إدارية، لكل منها سنجق خاص بها (أي منطقة إدارية)، ورمزها هو الطاووس البرونزي الذي يعد بمثابة رمز القوة لكل مركز إداري.

المجتمع اليزيدي منظم في نظام طبقي ديني صارم. وبالإضافة إلى تبجيل الشمس، فإن الأزيدية، مثل الزرادشتية، يعتبرون النار مقدسة ولا يجوز إطفاؤها بالماء أو التحدث بوقاحة أمامها، وهم لا يؤمنون باللعنة الأبدية، ويؤمنون بالتناسخ أو تناسخ الأرواح من خلال دورة تطهير تدريجية، حيث تولد أرواح الخطأة من جديد كحيوانات لفترة اختبار قبل أن تتحول إلى الشكل البشري مرة أخرى وفي النهاية تصعد أرواحهم إلى السماء.

يستخدم التقليد اليزيدي العديد من المصطلحات والصور والرموز ذات الأصل الصوفي أو الإسلامي، مع الحفاظ إلى حد كبير على الأساطير والرموز والطقوس والتقاليد ما قبل الإسلام. وفي حين أن بعض الممارسات اليزيدية تشبه ممارسات الإسلام – الامتناع عن أكل لحم الخنزير، على سبيل المثال – إلا أن العديد من الممارسات تبدو فريدة من نوعها في المنطقة.

يحتفل ألأزيديون بالعام الجديد في أبريل بالبيض الملون ويقيمون عيد الأضاحي، حيث يتم ذبح خروف على يد بابا شيخ ويتم إضاءة المشاعل في جميع أنحاء وادي لالش، وهو مكان مقدس في عقيدتهم. كما يُمنع ألأزيديون من لبس اللون الأزرق والأخضر وأكل الخس والفجل لانهما رفضا إخفاء الشيطان بين أوراقهم لما طرده الله من مملكة السماء واجبره على الهبوط للأرض ونطق كلمة “شيطان” كما وان لحوم الديكة محرمة لكونها تشابه في ألوان ريشها الطاووس.

ويفضل الازيديون اللون الأبيض في ملبسهم الذي يعتقد بانه اللون المفضل عند اهل الجنة ويرمز الى ملاك النور، ومن النادر ان تجدهم يرتدون الملابس الخضر او الزرق فهناك من يعتقد ان هذين اللونين مقدسان ومحترمان، إذ ان احترام عنصر الشر الذي يرمزون اليه بالطاووس واجب ولأن ألوان الطاووس البارزة هي الأزرق والأخضر فأصبحت هذه الألوان محرمة على عامة الناس.

ومما يزيد فهم المسألة الدينية للأزيدية تعقيداً أن الأمور الدينية للطائفة لا يعرف بها أبنائهم بشكل مفصل وواضح وهي حكراً على رجال الدين وهم أنفسهم لا يتفقون بينهم على كافة أمور العقيدة لأن اسرار العقيدة محفوظه في الصدر لا في الكتب، وهذا الحفظ بالطبع معرض للأهواء والآراء وحكم الزمان وتباعد المناطق الجغرافية للطائفة المبعثرة في ارجاء العالم مما يجعلها عرضة للتفسير والاجتهاد والنسيان. ويشير الكثير من الكتاب الى كتاب مصحف روز (الجلوة) الذي هو أساس الاعتقاد عند الأزيدين.

وهناك بين طبقة المثقفين والمتعلمين (وهم قلة) مجموعة من الأساطير المتداولة والخرافات التاريخية المزروعة في عقولهم ومازالوا يعيشون عقد الخوف والاضطهاد وقصص من وحي الخيال لا سند لها في التأريخ ويتمسكون بخيط واهن من الحجج يعتقدونها محفوظة في الصدور وان الناس لا تفهمهم، والتاريخ لم ينصفهم، وان قصصهم تحكي الحقيقة المطلقة.

ألأزيديون وعبادة الشمس

إن الثابت والمؤكد ان اليزيدية تؤمن بالله الواحد الأحُد (خُدا) الذي خلق السماوات والأرض ويجلس على الكون (الدرة) وفجر هذه الدرة بأمره وتفجرت معها ينابيع الماء ومن بخارها صارت البحور والأنهار وبعدها السحاب والسماء ومن نور الله تكونت الشمس والنجوم والقمر وكان الملائكة السبعة موجودين وهم (عزازيل ودردائيل واسرافيل وميخائيل وعزرائيل وشمنائيل ونورائيل).

ويعتقد الأزيديون ان الله خلق الملائكة السبعة من نوره فيوم الاحد خلق (ملك شمس الدين وهو عزازيل) ويوم الاثنين خلق (ملك دردائيل وهو ملك فخر الدين ويعني القمر) ويوم الثلاثاء خلق (ملك ميخائيل وهو أمادين) ويوم الأربعاء خلق (ملك إسرافيل) ويوم الخميس خلق (عزرائيل وهو سجادين) ويوم الجمعة خلق (شمنائيل الدين) ويوم السبت خلق (ملك نورائيل وهو يزدا).

وعزازيل هو أحد أسماء الشيطان في الميثولوجيا الدينية القديمة ويجسد نزعة الشر في الإنسان ويعتبر كبير وطاووس الملائكة ورمز مقدس عند الازيدية مثلما الصليب عند المسيحيين والهلال عند الإسلام.

الشمس وطقوس الصلاة

قبلة الأزيدي هي الشمس وتتخذ الأزيدية من الشمس رمزا على أبواب دورها الدينية ومعابدها، فالشمس هي نور الله وهي دلالة على بزوغ الحياة ويوم جديد، ولهذا يتجه الأزيدي صوب المشرق ويدعو قبل طلوع الشمس ويرتل المصلي بعد شروق الشمس وبعد غياب الشمس.

وعادة يصلي منفردا وحيدا ويغسل يداه ووجهه بالماء ويشد على بطنه ما يشبه الحزام ويضع قماشا على رأسه ويشبك يديه مع بعضها وينزوي بعيدا عن اعين الناس منحنيا تبجيلا للشمس وطهارة الكون وبعد الانتهاء من الصلاة والدعاء يركع الى الأرض على ركبتيه ويقبلها ثلاث مرات عوضا عن الشمس ويمسح يديه على جبينه او لحيته وشواربه ان كان مسنا ويرجو المصلي الأزيدي اثناء الصلاة في الصباح من الله ان يديم نوره على كافة الناس ويشكر رب الشمس ويدعوا منه الرحمة والغفران والخير والأمان لملته ولكل البشر الطيبين.

وفي الظهيرة عندما تتوسط الشمس منتصف السماء يتوجه المصلي نحو لالش الذي هو أقدس مكان عنده، وعند المساء يتجه المصلي نحو الغروب حيث مغيب الشمس ويكرر طقوس صلاة الصباح بشكل انفرادي في ركن من محل تواجده بعيدا عن اعين الناس.

طاووس مَلَك

بينما يؤمن ألأزيديون بإله واحد، فإن الشخصية المركزية في عقيدتهم هي ملك طاووس (المعروف أيضًا باسم طاووس ملك أو الملاك الطاووس)، وهو الملاك الذي تحدى الله ولذلك فإنه اول الموحدين ولم يسجد لغير الله وأنه كان في الفردوس قبل خلق الإنسان ولذلك فإن الأزيدية تحترم وتبجل وتهاب طاووس ملك وتعتبره وسيطاً بين بني ادم وبين الله.

يُعرف إله الأزيديين باسم (خودا) وهو غفور ورحيم. وخلق الله خودا ومعه سبعة رؤساء ملائكة بقيادة ملك طاووس، وتم إرسال ملاك الطاووس إلى الأرض ليخلق الحياة من الفوضى البدائية ويكون بمثابة الشفيع بين الإنسان والله. لقد خلق الإنسان الأول بلا روح، فنفخ فيه ملك طاووس روح الحياة ثم وجه آدم نحو الشمس، التي تعتبر رمز الخالق الأعظم، الذي لا يزال الإزيديون، مثل سكان بلاد ما بين النهرين القدماء، يعبدونه.

واليزيدية لا تعبد تمثال الطاووس ولا تؤلهه فهذا يتضارب مع كونهم يُقرون بوحدانية الله الخالق الازل وخالق الملائكة وهو المعبود الأول وكل الملائكة دونه بما فيهم طاووس ملك. ويعتبرون ملك طاووس، الجهاز التنفيذي للإرادة الإلهية.

وكلمة طاووسً هي كلمة يونانية الأصل (تاووس) تعني الإله ويعد اكثر الطيور جمالا وحسنا ولونا وعلى ذنبه ريش فيه دوائر لها ضوء كضوء الشمس، ويذكر ألأزيديون اسمه احتراما وتبجيلاً وتقديساً له باعتباره من المقربين وأن الله خلق الأنسان الأول (ادم) من طين وأمر كافة الملائكة ان يسجدوا لأدم ، فسجد الجميع إلا (عزازيل ) الذي قال لله “كيف اسجد لمخلوق صنعته من طين وأنا صنعتني من نار” فكرر عليه الله أمر السجود فرفض وقال “ انا لا اسجد إلا للخالق الذي لا يساويه هذا المخلوق الأدمي” ، فسخط عليه الله وانزله الى الجحيم أولا ولكنه غفر له بعد هذا الامتحان ورضي عنه وأعاده الى الفردوس.

بالنسبة للمسلمين، غالبًا ما تبدو الرواية الأزيدية عن الملاك المتحدي تتضارب مع الترجمة القرآنية للشيطان الشرير (ابليس) على الرغم من أن ملك طاووس هو قوة من أجل الخير في الديانة اليزيدية.

لكن المحزن لليزيدين هو أن لقصة ملك طاووس تشابهات مخيفة مع قصة الشيطان الجن الساقط (الجني) في الإسلام والذي يعرف باللغة العربية باسم الشيطان (ابليس). وبسبب ذلك يواجه ألأزيديون اتهامات بعبادة الشيطان من المسلمين بدءًا من أواخر القرن السادس عشر وأوائل القرن السابع عشر، وحتى يومنا هذا يسعى اليزيدين العراقيين إلى وضع حد للصورة النمطية والاتهامات العدوانية بعبادة الشيطان.

إن نكبات ومأسي ومحن الأزيدية في العراق مازال يلفها الحزن والأسى وأن نفي الإيزيديين من المزارات القديمة لشعبهم يهدد بإضعاف هويتهم كشعب ومكوّن متميز، ولا يسعى الأزيديون في العراق إلى الحفاظ على تقاليدهم فحسب، بل يسعون أيضًا إلى مكافحة المعلومات الخاطئة والقوالب النمطية حول عقيدتهم وهناك تحديات وصعوبات أمام الإزيديين لاستعادة الأمن والاستقرار والأمن المجتمعي في منطقة نينوى/سنجار، سيما وان معظمهم تشتتوا بعيداً عن أراضيهم المقدسة، وانضم العديد منهم إلى جمع اللاجئين إلى أوروبا.

في الجزء الثاني من المقالة سنتناول مأساة داعش والهجوم على سنجار والإبادة الجماعية والاضطهاد والاختطاف والعبودية ودمار البلدات والمصير المجهول لهذا المكوّن العراقي الأصيل.

المصادر: ويكيبيديا، يزدا ، المؤسسة الأزيدية الحرة، ناشيونال جيوغرافيك، الغارديان اللندنية، باري إبراهيم ، بيافي أشر شابيرو، براين كًلين ويليامز وكتب الكتاب المذكورة في المقدمة أعلاه.