لِكَيْلا نَنسَى الإبادة ولكي نُذّكر الأجيال بجرائم داعش
مشروع افتتاح جناح الإبادة الجماعية في المركز الثقافي الجديد في مدينة ويست بلومفيلد
بقلم د عضيد ميري
تواصل مؤسسة الجالية الكلدانية نشر رسالتها المجتمعية وتنفيذ خطط مشاريعها التوسعية وخدماتها وتثبيت اركان وجودها وتؤسس حضورًا مهماً مع غرفة التجارة الكلدانية الأمريكية من خلال توسعها وعبورها الجانب الغربي لشارع وودوارد وتأسيس وجود لها في مقاطعة أوكلاند.
إذ بعد أن أكملت مؤسسة الجالية الكلدانية خطواتها في شراء بناية المدرسة القديمة المسماة ب (كورنرز) الواقعة على شارع (ولنت ليك رود بالقرب من غرب شارع انكستر في مدينة ويست بلومفيلد) بدأت مساعي التحديث والبناء ليصبح للجالية مركزا اخراً للمؤسسة على الجانب الشمالي الغربي لمدينة مترو ديترويت.
وستضم البناية الجديدة المكاتب الإدارية للمؤسسة ولغرفة التجارة الكلدانية الأمريكية، وسيكون الموقع الجديد بمثابة مركز لمجموعة شاملة من الخدمات والموارد المجتمعية، بما في ذلك حاضنة للأعمال، وصالة للألعاب الرياضية، واستوديو تلفزيوني وإذاعي، وفصول دراسية، ومطبخ تجريبي، ومكتبة الأسقف إبراهيم (التي تضم كنزًا من الأرشيفات الثقافية)، ومسرحًا للمنتديات والأحداث التعليمية، والمركز التراثي الكلداني الذي سينمو كمتحف للجالية في المهجر وسيحوي جزء من الأرشيف الثقافي الكلداني وإذاعة صوت الكلدان، ومكتب مجلة اخبار الكلدان (كالديان نيوز)، وروضة أطفال، ، وستة قاعات عرض جديدة واسعة لمقتنيات المتحف الثقافي التراثي الكلداني الذي سينتقل من موقعه الحالي في نادي شانندوا العائلي.
أفاق جديدة وتطلّعات مستقبلية
سوف ينتقل المركز الثقافي التراثي الكلداني الموجود حالياً في نادي شانندوا، إلى المنشأة الجديدة وسيجري توسيع اركانه من حيث المساحة الى (3200 قدم مربع) والأجنحة (6) والمحتويات والمعروضات وسيتكون المتحف من ست صالات عرض تشمل:
1 بلاد ما بين النهرين القديمة
2 الإيمان والكنيسة
3 الحياة في البلدات والقرية
4 الإبادة الجماعية
5 الرحلة إلى أمريكا الشمالية
6 الكلدانيون اليوم
سيركز المتحف بشكل رئيسي على جمع وتوثيق وسرد قصص الإبادة الجماعية والاستشهاد في القرن الماضي، وخاصة في القرن الحادي والعشرين، مع التوثيق والتذكير بحجم الجرائم التي ارتكبتها عصابات داعش والقاعدة والميليشيات ضد المكونات الأصيلة بعد غزو العراق عام 2003. وسيشكل تأمين القطع الأثرية الأصلية للإبادة وجلبها من العراق جزءًا مهمًا وصعباً من هذا المسعى التاريخي من اجل حفظ وتسجيل فصول التشريد والتهجير والنزوح وسرد قصة الإبادة الجماعية بطريقة أكاديمية ومؤثرة.
كما وسيحيي الجناح وسيسجل قسم الإبادة الجماعية الأحداث المأساوية التي وقعت في بلدات سهل نينوى وتسليط الأضواء على اضطهاد واستشهاد المسيحيين في العراق، وتثقيف زوار المتحف بشأن كل ما حصل من جرائم الإبادة الجماعية ضد الإنسانية التي تهدد بقاء الأقلية المسيحية والمكونات الأصيلة في العراق.
رسالة جناح الإبادة
تعمل المتاحف في كافة ارجاء العالم كمواقع حضارية ومراكز تثقيفية وتعد من الضرورات الأساسية لحفظ ذاكرة المجتمعات وتؤمن عرض شامل لمراحل تطورها وتـاريخها والتذكير بالماضي، وتجمع في أركانها اثار ومعروضات من اجل نشر التعليم والتثقيف ومصادر اكاديمية معتمدة للدراسات والجامعات والمدارس وهدفها جذب الزوار ونشر المعرفة.
كما وان الهدف من إضافة جناح الإبادة الجماعية وضمن بناية المتحف التراثي الكلداني الجديد في أمريكا وولاية ميشيغان بالذات، جاء كضرورة حتمية للتوثيق وللتذكير ولتفسير عقلية الإبادة التي مارستها عصابات تنظيم الدولة الإسلامية في مطلع القرن الحادي والعشرين ولكيلا ننسى حجم الدمار والترهيب والتشريد والهجرة والنزوح لسكان بلدات سهل نينوى، وكذلك من اجل تنوير الأجيال القادمة بما فاتهم من قسوة وسجلات المآسي والصمت المخزي والتجنب المر ومحاولة النسيان من جميع الصامتين واللامباليين من السياسيين والمسؤولين ومن دون الإحساس بمسؤوليتهم عما حدث ويحدث للمكونات الأصيلة في العراق تاريخيا وجغرافيا ومن اجل الحفاظ على ذكرى مئات الآلاف من المسيحيين النازحين والمهجرين و القتلى أو المجبرين على الفرار من العراق منذ عام 2003.
وتتمثل مهمة المتحف ايضاً في أهمية الاستمرار بنشر مبادئ الوعي المجتمعي والقانوني حول تبعات هذه المأساة التي لا مثيل لها في التأريخ الحديث، وتشجيع التأمل في الأسئلة الأخلاقية والروحية والوطنية التي أثارتها الأحداث، وإلهام الباحثين والكتاب والزوار في تحمل المسؤولية الإنسانية والعمل على منع الإبادات والاضطهاد والكراهية والانتقام في المستقبل.
الإبادة: فصل مظلم في التاريخ
الإبادة تعتبر واحدة من أخطر جرائم البشرية. تُعرَّف بأنها إبادة جماعية لمجموعة من الناس على أساس العرق، أو الإثنية، أو الدين، أو الجنسية، وتتميز بالنية السادية التي تنوي تدمير مجموعة بالكامل. تم صياغة مصطلح “الإبادة الجماعية” في عام 1944 ومنذ ذلك الحين تم استخدامه لوصف الفظائع كمثل تلك التي ارتكبها تنظيم داعش ضد المسيحيين واليزيدين والمندائيين في العراق وسوريا، وفي عام 2016، اتهمت الولايات المتحدة تنظيم داعش بارتكاب إبادة جماعية ضد هذه المجموعات.
وسوف يسلط متحفنا الأضواء وسيجذب الانتباه إلى حملات الإرهاب التي شنها تنظيم داعش من عام 2014 إلى عام 2017 في شمال العراق وسهل نينوى وما ارتكبت عصاباته من فظائع واسعة النطاق ضد الأقليات في العراق. ولا ننسى كيف تم استهداف الأقليات الأخرى، مثل اليزيدين والمندائيين، على أساس هوياتهم العرقية والدينية والجغرافية.
وستعكس أجواء ومحتويات المعرض مشاهد ومعلومات عن تدمير المدن والممتلكات وتهجير المجتمعات والثمن البشري لهذه الحملة الإجرامية اللا انسانية على أمل إلقاء الضوء على المحنة المستمرة للمسيحيين والأقليات العرقية في المنطقة، والنية هنا هي خدش سطح هذا الموضوع المعقد والعمل على صياغة ورقة عمل تعالج مخاوفنا كمسيحيين (كلدان وآشوريين وسريان وأرمن) في العراق ومنطقة اقليم كردستان.
لماذا سيتم تأسيس متحف الإبادة الجماعية؟
الهدف الأساسي لإضافة جناح الإبادة والشهداء للمتحف هو لغرض توسيع فهم المجتمعات والمؤسسات والمؤرخين وجمهور المهتمين عن جرائم وحجم ومأساة الإبادة الجماعية التي ارتكبها تنظيم داعش وتفكيك الكراهية العميقة لمن خلال اقامة المعارض السنوية وتشجيع البحوث والدراسات وعرض القطع الأثرية وتصوير المواقع الكنسية والمقابر التي تم تدميرها من اجل التذكير بالدمار ومصير ما حصل لهذه المواقع، كما سيستضيف المتحف أيامًا ومناسبات سنوية لإحياء الذكرى، وإشراك الجماهير وأعضاء المجتمعات في البرامج التي تهدف إلى منع مثل هذه الجرائم في المستقبل. وسيكون المتحف لاعباً رئيسياً لضمان عدم نسيان دروس الماضي وعدم السماح بتكرار الفظائع ومحاسبة القائمين بها
.
أهمية التثقيف والتعليم: الطريق نحو المصالحة
تعتبر المتاحف التذكارية مباني حيوية للمجتمعات وتعرض تأريخ وحاضر المجتمع وتنير أدوار المؤثرين وتعزز الحوار، وتعزز المصالحة وتذكّر وتقاوم إنكار فكر الإبادة الجماعية، وسوف يعمل الجناح على تثقيف الجمهور بِشأن الجرائم وتأثيرها المجتمعي المستمر، وسوف يطّلع الزوار على قصص الشهداء ومآسي الضحايا والمجتمعات المتضررة والعواقب المستمرة للفظائع، وتتضمن أولى الأولويات التثقيفية الآمور والعلاجات الدستورية والقانونية والسياسية والاجتماعية والمالية ومستقبل المسيحية في المنطقة.
التهديد المستمر
تواجه المسيحية في العراق، إلى جانب الأقليات الدينية الأخرى، خطر الانقراض، إذ ترجع جذور المسيحية في العراق إلى الأيام الأولى للإيمان قبل الفي عام. وقد ساهمت أعمال العنف والاضطهاد التي ارتكبها تنظيم داعش في أكبر أزمة نزوج وطرد وهجرة ولجوء في العالم منذ الحرب العالمية الثانية ومحرقة الهولوكوست. وعليه فإن واحدة من مهمات متحف الإبادة هي دعم المكونات ومواصلة العمل والتوعية المستدامة والدعوة إلى وضع خطط شاملة لدراسة ومعالجة اضطهاد المجتمعات المسيحية والمكونات في العراق.
ويأتي في ضمن هذه المساعي تطوير اقتراحات وأولويات الناس لتصبح خطة عمل محتملة تشمل إعادة التوطين والاستقرار، وإعادة الإعمار، والتنمية الاقتصادية، وبناء قطاعي التعليم والصحة، والعناية بالتحديات التي تواجه الشباب والجيل الصاعد، وتسوية النزاعات على الأراضي والممتلكات، وحفظ الأمن والقانون، وتوضيح مستقبل سهل نينوى، والتغييرات الديموغرافية والجغرافية والإدارية وفرص تأسيس مبادئ الإدارة الذاتية ومن قبل اهل المنطقة والخدمات والمساءلة وأمور أخرى بما في ذلك العقبات التي تحول دون العودة الطوعية والآمنة للمسيحيين والأقليات الأخرى إلى مدنهم وموطن أجدادهم وضمان مستقبلهم على المدى الطويل.
جدار النصب التذكاري للشهداء
تشتهر الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية باسم “كنيسة الشهداء”، وذلك لأن العديد من أعضائها قُتلوا بسبب عدم انكارهم إيمانهم. وسيُكرِّم جدار النصب التذكاري للشهداء الذي سيتصدر أحد جدران واروقة البناية الجديدة بعض من أولئك الشهداء الذين لقوا حتفهم خلال الإبادة التي ارتكبها تنظيم داعش وقبل ذلك من قبل الشوفينين والعنصريين والمُكفرين. وسيتضمن الجدار أسماء الضحايا وصورهم ومقتنياتهم، وسيعمل كتذكير قوي بأرواح الشهداء الأبرياء التي أزهقت غدراً وكلها باقية كذكريات لإرث وايمان وشجاعة ابناء الشعب الكلداني.
المعارض المقترحة
سيضم المتحف العديد من المعارض الدائمة، بما في ذلك:
1. الأقليات العراقية والإبادة الجماعية
2. الطريق إلى الإبادة الجماعية
3. شهود عيان
4. قصص لا تُنسى
5. صور المدن والكنائس المدمرة
سيتم تعزيز هذه المعروضات بالقطع الأثرية الأصلية من منطقة سهل نينوى وستتضمن وسائط العرض المتعددة أحدث وأحسن التقنيات المتاحة ولقطات فيديو، ومنصات للشاشات تعمل باللمس والتطبيقات التفاعلية الذكية وغيرها من وسائل التواصل والعرض الحديثة.
الحصول على القطع الأثرية الأصلية
ستأتي القطع الأثرية التي ستُعرض في معرض الإبادة الجماعية من منطقة سهل نينوى، بما في ذلك الكنائس والقرى والمتاحف والناس، ومن بين الشركاء الرئيسيين الذين سيساعدون في مهمة جمع القطع أسقف الموصل، والمسؤولين في البلدات، ومتحف الموصل والمتاحف المحلية والكنائس والأديرة وممثلين عن الحكومة العراقية، فضلاً عن المنظمات الدولية التي ساهمت بإعادة الإعمار مثل الحكومة الهنغارية (المجر).
إن امر الحصول على موافقة الحكومة العراقية والأساقفة المحليين ووزارة الثقافة والآثار أمر ضروري لشحن القطع الأثرية بصورة قانونية من العراق إلى الولايات المتحدة، وسيتطلب ذلك التعاون مع الشركاء المحليين والدوليين الرئيسيين وسيتطلب هذا الجهد الصعب التعاون من جانب الحكومة والوزارات ومسؤولي الإدارات والمدن المحلية.
التحديات اللوجستية والدعم
تتضمن التحديات الرئيسية في هذا المشروع تأمين القطع الأثرية الأصلية للإبادة والتغلب على العقبات القانونية واللوجستية، وضمان الحفاظ على المواقع التاريخية المدمرة مثل المقابر والبيوت والكنائس في العراق. وسيتم تمويل المتحف من خلال التبرعات والمنح وأشكال الدعم الأخرى. كما سيتضمن المشروع تخطيطًا تفصيليًا للتكاليف اللازمة لاقتناء القطع الأثرية، وشحنها وتركيبها وعرضها.
كلمة أخيرة وتمنيات
لقد مر وقت طويل لتنفيذ هذا الحلم وتحقيق الرغبات وبناء المركز الجديد كمشروع تأريخي يؤشر صوب مستقبل زاهر، إذ سيكون الموقع الجديد بمثابة مركز كامل لمجموعة شاملة من احتياجات المجتمع ونشاطات الجالية، ويُمثل رمزاً حضاريا وإنجازاً تاريخيا لما تمثله مؤسسة الجالية الكلدانية وغرفة التجارة الكلدانية الأمريكية في الحرية الثقافية ويعكس طموحات أبناء الجالية وتقدمهم في كافة المجالات ورغباتهم في الحداثة وتنمية الاحتياجات الحالية والاستراتيجية والمستقبلية ونحن جميعاً متحمسين لرؤية هذا المشروع يؤتي ثماره ويعلوا بتأثيرهُ. وليس هذا المشروع سوى تمهيد لعملٍ أكبر وضروري من اجل نشر رسالة السلام واحترام التنوع وحماية الهوية المسيحية بحكمة وصياغة علاقة الدولة مع المكونات لكيلا تنقلب السياسات الى ممارسات العنف والكراهية والاضطهاد والإبادة ابداً.
المتوقع أن يكتمل البناء والاحتفال بافتتاح قص شريط البناية والمركز في مطلع شهر أيار عام 2025
وبدورنا نحتاج إلى مساعدتكم، وأن قسم الإبادة الجماعية في المتحف ما يزال في مراحله الأولى، وعليه نحن نسعى للحصول على مساهمات من الناجين والشهود وأفراد المجتمع الذين عاصروا فصول هذه المأساة في العراق. فإذا كانت لديكم قصص، أو صور، أو افلام، أو وثائق، أو قطع أثرية يمكنها أن تساعدنا في تسجيل وحفظ تأريخ الإبادة الجماعية، فنحن نشجعكم على مشاركتها معنا، سيما وأن مساهماتكم الثمينة حيوية لإنجاح هذا المشروع، وبالتعاون معاً يمكننا ضمان استمرار العمل الجاد والتذكير بالشهداء والضحايا ومأساة المسيحيين والتصدي لمحاولات تهجيرهم من وطنهم العراق.
للمشاركة ومعرفة المزيد عن تفاصيل المتحف، تفضلوا بزيارة صفحاتنا على وسائل التواصل الاجتماعي أو مراسلتنا على البريد الإلكتروني:
edit@chaldeannews.com