الرهبانية‭ ‬الكلدانية‭ ‬الأنطونية‭ ‬الهرمزديانية

 

بقلم‭ ‬حنان‭ ‬قيا

لطالما‭ ‬ارتبط‭ ‬تاريخ‭ ‬الكلدان‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬بمعالمه‭ ‬المقدّسة‭ ‬وأديرته‭ ‬التي‭ ‬تحكي‭ ‬قصص‭ ‬الإيمان‭ ‬والصمود‭ ‬عبر‭ ‬الأجيال‭. ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المقال،‭ ‬ننطلق‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬مختلفة‭ ‬إلى‭ ‬قلب‭ ‬مؤسسة‭ ‬روحية‭ ‬عريقة‭: ‬الرهبنة‭ ‬الأنطونية‭ ‬الهرمزدية‭ ‬الكلدانية‭. ‬هذه‭ ‬الرهبنة،‭ ‬رغم‭ ‬استقلالها‭ ‬عن‭ ‬الهيكل‭ ‬الكنسي‭ ‬التقليدي،‭ ‬تُشكّل‭ ‬رافدًا‭ ‬مكمّلًا‭ ‬للرسالة‭ ‬الروحية‭ ‬والثقافية‭ ‬للكنيسة‭ ‬الكلدانية‭.‬

من‭ ‬خلال‭ ‬إجابات‭ ‬قدّمتها‭ ‬أمانة‭ ‬السرّ‭ ‬العامة‭ ‬للرهبنة‭ ‬الأنطونية‭ ‬الهرمزدية،‭ ‬التي‭ ‬يترأسها‭ ‬الأنبا‭ ‬الدكتور‭ ‬سامر‭ ‬صوريشو‭ ‬الراهب،‭ ‬نتعرّف‭ ‬على‭ ‬مسيرة‭ ‬هذه‭ ‬الرهبنة‭ ‬الفريدة،‭ ‬بدءًا‭ ‬من‭ ‬نشأتها‭ ‬وقيادتها،‭ ‬مرورًا‭ ‬بأنشطتها‭ ‬وإنجازاتها،‭ ‬وصولًا‭ ‬إلى‭ ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬تواجهها‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬سريع‭ ‬التغيير‭. ‬إنها‭ ‬قصة‭ ‬تسلّط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬الجهود‭ ‬الحثيثة‭ ‬لحفظ‭ ‬التراث‭ ‬الكلداني‭ ‬وتعزيز‭ ‬القيم‭ ‬الروحية‭.‬

فيما‭ ‬يلي،‭ ‬نفتح‭ ‬نافذة‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬الاستثنائي،‭ ‬كما‭ ‬روت‭ ‬تفاصيله‭ ‬أمانة‭ ‬السرّ‭ ‬العامة‭ ‬للرهبنة‭.‬

•‭ ‬هل‭ ‬يمكنكم‭ ‬إعطاؤنا‭ ‬نبذة‭ ‬عن‭ ‬تاريخ‭ ‬الرهبنة‭ ‬الأنطونية‭ ‬الهرمزدية؟

انبثقت‭ ‬النواة‭ ‬الأولى‭ ‬للرهبنة‭ ‬في‭ ‬النصف‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬السابع‭ ‬الميلادي‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬الراهب‭ ‬الكبير‭ (‬الربّان‭ ‬هرمزد‭) ‬الذي‭ ‬ترك‭ ‬وطنه‭ ‬وأهله‭ ‬وتجرّد‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬قاصدًا‭ ‬الأماكن‭ ‬المقدّسة،‭ ‬ناويًا‭ ‬المضي‭ ‬إلى‭ ‬صعيد‭ ‬مصر‭. ‬لكن‭ ‬الإرادة‭ ‬الربّانية‭ ‬شاءت‭ ‬أن‭ ‬يُنشئ‭ ‬رهبنته‭ ‬في‭ ‬صومعة‭ ‬للصلاة‭ ‬والتأمل‭ ‬حفرها‭ ‬بيده‭ ‬في‭ ‬الجبل‭ ‬المطلّ‭ ‬على‭ ‬بلدة‭ ‬القوش،‭ ‬حيث‭ ‬وجد‭ ‬هناك‭ ‬ينبوع‭ ‬ماء‭. ‬وما‭ ‬إن‭ ‬سمع‭ ‬الناس‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬على‭ ‬يده‭ ‬من‭ ‬العجائب‭ ‬وشفاء‭ ‬المرضى‭ ‬حتى‭ ‬قصده‭ ‬الكثيرون،‭ ‬وانتمى‭ ‬إليه‭ ‬بعض‭ ‬الشباب‭. ‬هكذا‭ ‬تكوّنت‭ ‬المرحلة‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬الحياة‭ ‬الرهبانية‭ ‬نحو‭ ‬سنة‭ ‬640م‭.‬

من‭ ‬ثم‭ ‬واصلت‭ ‬الحياة‭ ‬الرهبانية‭ ‬مسيرتها‭ ‬الشاقة‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬الظروف‭ ‬العصيبة‭ ‬التي‭ ‬واجهتها،‭ ‬من‭ ‬الحروب‭ ‬والغزوات‭ ‬البربرية‭ ‬المتكررة‭ ‬وما‭ ‬خلفته‭ ‬من‭ ‬دمار،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تشتّت‭ ‬الرهبان‭ ‬وأصبح‭ ‬الدير‭ ‬مهجورًا‭ ‬لفترات‭ ‬طويلة‭. ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬صلوات‭ ‬الربّان‭ ‬هرمزد‭ ‬لم‭ ‬تذهب‭ ‬سدىً،‭ ‬بل‭ ‬أعطت‭ ‬ثمارًا،‭ ‬فقد‭ ‬هيأت‭ ‬العناية‭ ‬الإلهية‭ ‬رجلًا‭ ‬فاضلًا‭ ‬اسمه‭ ‬جبرائيل‭ ‬دنبو،‭ ‬المولود‭ ‬سنة‭ ‬1775‭ ‬في‭ ‬ماردين،‭ ‬ليقوم‭ ‬بتجديد‭ ‬الحياة‭ ‬الرهبانية‭ ‬في‭ ‬دير‭ ‬الربّان‭ ‬هرمزد‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬تحقق‭ ‬فعلاً،‭ ‬إذ‭ ‬فتحت‭ ‬أبواب‭ ‬الدير‭ ‬مجددًا‭ ‬سنة‭ ‬1808م،‭ ‬وهكذا‭ ‬عادت‭ ‬الحياة‭ ‬الرهبانية‭ ‬لتنبض‭ ‬قلبًا‭ ‬للكنيسة‭ ‬الكلدانية‭.‬

•‭ ‬من‭ ‬هو‭ ‬مؤسس‭ ‬الرهبنة،‭ ‬وما‭ ‬هي‭ ‬رؤيته؟

كان‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬الأسر‭ ‬الماردينية‭ (‬ماردين‭) ‬الكلدانية‭ ‬بيت‭ ‬شمعون‭ ‬بن‭ ‬بطرس‭ ‬دنبو،‭ ‬سليل‭ ‬أسرة‭ ‬كريمة‭ ‬كانت‭ ‬تلقب‭ ‬“بالشيخ”‭ ‬لمكانتها‭ ‬الاجتماعية‭. ‬وكانت‭ ‬مهنته‭ ‬الحياكة،‭ ‬وقد‭ ‬تزوج‭ ‬من‭ ‬المدعوة‭ ‬شمس‭ ‬أو‭ ‬شمسي،‭ ‬وهي‭ ‬من‭ ‬بنات‭ ‬عمومته،‭ ‬فرزقهما‭ ‬الله‭ ‬بابنين‭ ‬وأربع‭ ‬بنات‭. ‬وُلد‭ ‬الأب‭ ‬جبرائيل‭ ‬سنة‭ ‬1775،‭ ‬ونما‭ ‬في‭ ‬محيط‭ ‬معبق‭ ‬بروح‭ ‬الإيمان‭ ‬ومخافة‭ ‬الله،‭ ‬فكانت‭ ‬أمه‭ ‬تهتم‭ ‬بتعليمه‭ ‬منذ‭ ‬نعومة‭ ‬أظفاره‭ ‬الصلوات‭ ‬القصيرة‭ ‬ومبادئ‭ ‬الديانة‭ ‬المسيحية‭. ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الأيام،‭ ‬رأى‭ ‬والد‭ ‬جبرائيل‭ ‬أن‭ ‬ابنه‭ ‬قد‭ ‬كبر‭ ‬في‭ ‬السن‭ ‬والقامة،‭ ‬ففكر‭ ‬بإرساله‭ ‬إلى‭ ‬المدرسة‭ ‬الخاصة‭ ‬بالأولاد‭ ‬الكلدان‭ ‬ليتعلم‭ ‬مبادئ‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬واللغة‭ ‬الكلدانية‭ ‬والتراتيل‭ ‬الدينية‭: ‬الطقسية‭ ‬والشعبية،‭ ‬والتعليم‭ ‬المسيحي‭. ‬وعندما‭ ‬بلغ‭ ‬العشرين‭ ‬من‭ ‬عمره،‭ ‬عمل‭ ‬في‭ ‬التجارة‭ ‬وكان‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬المعرفة‭ ‬والتعليم‭.‬

حدث‭ ‬لجبرائيل‭ ‬دنبو‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬بالحسبان،‭ ‬فوقع‭ ‬طريح‭ ‬الفراش‭ ‬وثقل‭ ‬مرضه،‭ ‬ويقال‭ ‬إنه‭ ‬كان‭ ‬مرض‭ ‬الملاريا‭. ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬شفي‭ ‬من‭ ‬مرضه،‭ ‬نذر‭ ‬نفسه‭ ‬للحياة‭ ‬الرهبانية،‭ ‬وسعى‭ ‬بإصرار‭ ‬إلى‭ ‬تأسيس‭ ‬الرهبنة‭ ‬الهرمزدية‭. ‬وبعد‭ ‬جهد‭ ‬ومصاعب‭ ‬وعقبات،‭ ‬تمكن‭ ‬من‭ ‬استلام‭ ‬الدير‭ ‬عام‭ ‬1808م،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬الدير‭ ‬قائمًا‭ ‬بكنائسه‭ ‬وأسواره‭ ‬وأبوابه‭ ‬التي‭ ‬استلم‭ ‬مفاتيحها‭ ‬الأنبا‭ ‬جبرائيل‭ ‬دنبو‭ ‬من‭ ‬مطران‭ ‬العمادية‭ ‬حنانيشوع،‭ ‬ابن‭ ‬عم‭ ‬البطريرك‭ ‬يوحنا‭ ‬هرمزد،‭ ‬لأن‭ ‬الدير‭ ‬كان‭ ‬يعود‭ ‬إداريًا‭ ‬إلى‭ ‬أبرشية‭ ‬العمادية‭. ‬في‭ ‬صيف‭ ‬1827م،‭ ‬قصد‭ ‬الأنبا‭ ‬جبرائيل‭ ‬روما‭ ‬لتثبيت‭ ‬قوانين‭ ‬الرهبنة‭ ‬التي‭ ‬سمّاها‭ ‬“الرهبنة‭ ‬الأنطونية‭ ‬الهرمزدية‭ ‬الكلدانية”،‭ ‬وعاد‭ ‬بعد‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات‭ ‬قضاها‭ ‬في‭ ‬روما‭. ‬وحاول‭ ‬بعد‭ ‬عودته‭ ‬توطيد‭ ‬دعائم‭ ‬الرهبنة،‭ ‬ولكن‭ ‬هجمة‭ ‬أمير‭ ‬راوندوز‭ (‬ميرا‭ ‬كور‭) ‬الشرسة‭ ‬على‭ ‬الدير‭ ‬والقوش‭ ‬أودت‭ ‬بحياة‭ ‬المئات،‭ ‬ومن‭ ‬بينهم‭ ‬الأنبا‭ ‬جبرائيل‭ ‬دنبو‭ ‬وثلاثة‭ ‬رهبان‭ ‬آخرين‭. ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬15‭ ‬آذار‭ ‬1832م‭.‬

إن‭ ‬شهادة‭ ‬الأنبا‭ ‬جبرائيل‭ ‬دنبو‭ ‬الروحية‭ ‬تظهر‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إرسال‭ ‬الأخوة‭ ‬للبشارة‭ ‬في‭ ‬الكنائس‭ ‬وخدمة‭ ‬الأسرار‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬النهرين،‭ ‬حيث‭ ‬ربط‭ ‬الكنيسة‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬بالله‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الصلاة،‭ ‬ومن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬بالإنسان‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬العمل‭ ‬الرسولي‭. ‬وهو‭ ‬بهذا‭ ‬اكتشف‭ ‬قدرات‭ ‬الرهبنة‭ ‬والأخوة‭ ‬كي‭ ‬يخدموا‭ ‬بها‭ ‬رسالة‭ ‬المسيح‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭. ‬مرّ‭ ‬جبرائيل‭ ‬بالإضطهادات‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬الاستشهاد،‭ ‬فالحقيقة‭ ‬هي‭ ‬تلاقي‭ ‬الحب‭ ‬بالموت،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬أثبته‭ ‬الأنبا‭ ‬جبرائيل‭ ‬دنبو‭ ‬الشهيد‭ ‬بدمه‭ ‬الأفخارستي،‭ ‬إذ‭ ‬جعل‭ ‬من‭ ‬حبه‭ ‬للحياة‭ ‬الرهبانية‭ ‬دماء‭ ‬خصبة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬كثيرين‭. ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬للحب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬حبًا‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مضحيًا‭.‬

•‭ ‬كم‭ ‬عدد‭ ‬الأديرة‭ ‬المرتبطة‭ ‬حاليًا‭ ‬بالرهبنة‭ ‬الأنطونية‭ ‬الهرمزدية‭ ‬وأين‭ ‬تقع؟

1‭.‬ دير‭ ‬الربّان‭ ‬هرمزد‭ ‬–‭ ‬ألقوش‭:‬

يُعتبر‭ ‬الدير‭ ‬الأم‭ ‬للرهبنة،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬المعالم‭ ‬الروحية‭ ‬والإرث‭ ‬الحضاري‭ ‬والتاريخي‭ ‬للكنيسة‭. ‬تمتد‭ ‬جذوره‭ ‬في‭ ‬عمق‭ ‬التاريخ‭ ‬الرهباني‭ ‬والكنسي‭. ‬يعود‭ ‬تاريخ‭ ‬تأسيسه‭ ‬إلى‭ ‬القرن‭ ‬السابع،‭ ‬وقد‭ ‬أصبح‭ ‬مقرًا‭ ‬لكرسي‭ ‬جاثاليق‭ ‬كنيسة‭ ‬المشرق‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاثة‭ ‬قرون‭.‬

2‭.‬ دير‭ ‬السيدة‭ ‬مريم‭ ‬العذراء‭ ‬حافظة‭ ‬الزروع‭ ‬–‭ ‬ألقوش‭:‬

بُني‭ ‬هذا‭ ‬الدير‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الأنبا‭ ‬إليشاع‭ ‬عام‭ ‬1858م‭ ‬نتيجة‭ ‬لزيادة‭ ‬عدد‭ ‬الرهبان‭ ‬وانتشارهم،‭ ‬فلم‭ ‬يسعهم‭ ‬البقاء‭ ‬في‭ ‬الجبل،‭ ‬مما‭ ‬اضطرهم‭ ‬إلى‭ ‬النزول‭ ‬إلى‭ ‬السهل،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬بعد‭ ‬توجيه‭ ‬رسالتهم‭ ‬نحو‭ ‬خدمة‭ ‬المؤمنين‭ ‬الروحية‭ ‬في‭ ‬القرى‭ ‬القريبة‭ ‬والنائية‭.‬

3‭.‬ دير‭ ‬مار‭ ‬كوركيس‭ ‬–‭ ‬الموصل‭:‬

كان‭ ‬في‭ ‬الأصل‭ ‬كنيسة‭ ‬لقرية‭ (‬بعويرا‭)‬،‭ ‬وقد‭ ‬أصبح‭ ‬ديرًا‭ ‬قانونيًا‭ ‬للرهبنة‭ ‬في‭ ‬17‭ ‬تشرين‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬1863م‭ ‬تلبية‭ ‬لطلب‭ ‬البطريرك‭ ‬يوسف‭ ‬أودو‭. ‬يُعد‭ ‬هذا‭ ‬الدير‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬المعالم‭ ‬الدينية‭ ‬لمدينة‭ ‬الموصل‭. ‬افتُتحت‭ ‬فيه‭ ‬سنة‭ ‬1962م‭ ‬مدرسة‭ ‬رسوليّة‭ ‬تخرّج‭ ‬منها‭ ‬رهبان‭ ‬وكهنة‭ ‬شغل‭ ‬عدد‭ ‬منهم‭ ‬مناصب‭ ‬رعاة‭ ‬في‭ ‬الكنيسة‭ ‬الكلدانية،‭ ‬فكان‭ ‬مركزًا‭ ‬روحيًا‭ ‬وثقافيًا‭ ‬أُقيمت‭ ‬فيه‭ ‬دورات‭ ‬لاهوتية‭ ‬وكتابية‭. ‬في‭ ‬سنة‭ ‬2014م،‭ ‬وعند‭ ‬احتلال‭ ‬داعش‭ ‬لمدينة‭ ‬الموصل،‭ ‬تعرّض‭ ‬الدير‭ ‬للتدمير‭. ‬اليوم،‭ ‬تقوم‭ ‬الرهبنة‭ ‬بترميمه‭ ‬من‭ ‬جديد‭.‬

4‭.‬ دير‭ ‬مار‭ ‬يوسف‭ ‬–‭ ‬روما‭:‬

تأسس‭ ‬هذا‭ ‬الدير‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1982م‭ ‬في‭ ‬روما‭ - ‬إيطاليا‭. ‬وهو‭ ‬مقرّ‭ ‬الوكالة‭ ‬لدى‭ ‬الكرسي‭ ‬الرسولي،‭ ‬لأن‭ ‬الرهبنة‭ ‬تمتاز‭ ‬بالحقّ‭ ‬الحبري‭. ‬في‭ ‬ذات‭ ‬الوقت،‭ ‬يحتضن‭ ‬الإخوة‭ ‬الدارسين‭ ‬في‭ ‬المعاهد‭ ‬والجامعات‭ ‬الفاتيكانيّة‭ ‬بغية‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬الشهادات‭ ‬العليا‭ ‬وتسخيرها‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬الرهبنة‭ ‬والكنيسة‭.‬

5‭.‬ دير‭ ‬مار‭ ‬أنطونيوس‭ ‬–‭ ‬بغداد‭:‬

تم‭ ‬تأسيسه‭ ‬في‭ ‬ستينات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬وانتقل‭ ‬إليه‭ ‬مقر‭ ‬الرئاسة‭ ‬العامة‭ ‬عام‭ ‬1994م‭. ‬كان‭ ‬يضم‭ ‬الإخوة‭ ‬الرهبان‭ ‬الدارسين‭ ‬في‭ ‬كلية‭ ‬بابل‭ ‬للفلسفة‭ ‬واللاهوت،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬دار‭ ‬الابتداء‭. ‬كان‭ ‬يحتوي‭ ‬على‭ ‬مكتبة‭ ‬كبيرة‭ ‬تضم‭ ‬الكتب‭ ‬النفيسة‭ ‬والمخطوطات‭ ‬النادرة‭. ‬قبل‭ ‬سقوط‭ ‬بغداد،‭ ‬أُنشِئ‭ ‬مركز‭ ‬ثقافي‭ ‬يصدر‭ ‬المنشورات‭ ‬والكتب‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المواضيع،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬مجلة‭ ‬“رَبَّنوثا”‭ ‬الناطقة‭ ‬باسم‭ ‬الرهبنة‭. ‬هجَرَ‭ ‬الرهبان‭ ‬الدير‭ ‬إثر‭ ‬سقوط‭ ‬نظام‭ ‬الحكم‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬عام‭ ‬2003م،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬تدهورت‭ ‬الأوضاع‭ ‬السياسية‭ ‬نتيجة‭ ‬الإرهاب‭ ‬والعنف‭ ‬الطائفي،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬إخلاء‭ ‬الدير‭ ‬من‭ ‬الرهبان‭.‬

6‭.‬ المجمع‭ ‬العام‭ ‬للرهبنة‭ ‬الأنطونية‭ ‬الهرمزدية‭ ‬الكلدانية‭ ‬–‭ ‬عنكاوا‭:‬

قامت‭ ‬الرهبنة‭ ‬بافتتاح‭ ‬هذا‭ ‬المجمع‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬عنكاوا‭ ‬سنة‭ ‬2022م‭ ‬لتعويض‭ ‬ما‭ ‬خسرته‭ ‬من‭ ‬أديار‭ ‬مثل‭ ‬دير‭ ‬مار‭ ‬كوركيس‭ ‬في‭ ‬الموصل‭ ‬المُدمَّر‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬داعش،‭ ‬ودير‭ ‬القديس‭ ‬أنطونيوس‭ ‬الذي‭ ‬أخلي‭ ‬في‭ ‬بغداد‭. ‬كما‭ ‬يُعتبر‭ ‬المجمع‭ ‬مقرًّا‭ ‬عامًا‭ ‬للرهبنة‭ ‬ليتمكن‭ ‬الرهبان‭ ‬من‭ ‬القيام‭ ‬بالنشاطات‭ ‬الرعوية‭ ‬والتعليمية،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬دورهم‭ ‬في‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬تراثهم‭ ‬الثقافي‭ ‬القديم‭ ‬والغني‭ ‬والأصيل‭ ‬لخدمة‭ ‬ذاكرة‭ ‬البشرية‭ ‬والكنيسة‭ ‬الجامعة‭. ‬يشمل‭ ‬المجمع‭:‬

• دير‭ ‬خادم‭ ‬الله‭ ‬الشهيد‭ ‬الأنبا‭ ‬جبرائيل‭ ‬دنبو

• كنيسة‭ ‬مار‭ ‬أنطونيوس‭ ‬الكبير

• المركز‭ ‬الثقافي‭ ‬لحفظ‭ ‬المخطوطات‭ ‬السريانية‭ ‬“Scriptorium Syriacum”

• قاعة‭ ‬البطريرك‭ ‬مار‭ ‬يوسف‭ ‬السادس‭ ‬أودو‭ ‬للمؤتمرات

• مكتبة‭ ‬الأنبا‭ ‬شمؤيل‭ ‬جميل

• دار‭ ‬مار‭ ‬كوركيس‭ ‬للضيافة

•‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬عدد‭ ‬الرهبان‭ ‬الحاليين‭ ‬في‭ ‬الرهبنة،‭ ‬وكيف‭ ‬تغير‭ ‬هذا‭ ‬العدد‭ ‬مع‭ ‬مرور‭ ‬الزمن؟

عدد‭ ‬الرهبان‭ ‬المتواجدين‭ ‬حاليًا‭ ‬في‭ ‬الرهبنة‭ ‬يبلغ‭ ‬11‭ ‬راهبًا‭. ‬وبسبب‭ ‬الاضطرابات‭ ‬السياسية‭ ‬وعدم‭ ‬الأمان‭ ‬التي‭ ‬مرّ‭ ‬ويمر‭ ‬بها‭ ‬العراق،‭ ‬أدى‭ ‬هذا‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬إلى‭ ‬قلة‭ ‬عدد‭ ‬الدعوات،‭ ‬حيث‭ ‬يُفكر‭ ‬الجميع‭ ‬في‭ ‬تأمين‭ ‬لقمة‭ ‬العيش‭ ‬أو‭ ‬العيش‭ ‬الرغيد،‭ ‬فنجد‭ ‬أن‭ ‬شبابنا‭ ‬يتوجهون‭ ‬إلى‭ ‬الهجرة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬تكريس‭ ‬حياتهم‭ ‬لله‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬النمط‭ ‬من‭ ‬الحياة‭. ‬ومنذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬خمسة‭ ‬عشر‭ ‬عامًا،‭ ‬لم‭ ‬يدخل‭ ‬أي‭ ‬راهب‭ ‬إلى‭ ‬الرهبنة‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المؤشرات‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬مقلقة‭ ‬بعض‭ ‬الشيء،‭ ‬فإننا‭ ‬مؤمنون‭ ‬بأن‭ ‬رب‭ ‬الحصاد‭ ‬سيرسل‭ ‬فاعلين‭ ‬إلى‭ ‬حصاده‭. ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬قلة‭ ‬الدعوات‭ ‬نتيجة‭ ‬لظرف‭ ‬معين،‭ ‬فمن‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الظروف‭ ‬لن‭ ‬تبقى‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الحال‭. ‬الأهم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬نبقى‭ ‬متيقنين،‭ ‬وندعو‭ ‬ونصلي‭ ‬لرب‭ ‬الحصاد‭ ‬أن‭ ‬يرسل‭ ‬فاعلين‭ ‬لحصاده‭.‬

•‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬الدور‭ ‬المحدد‭ ‬لدير‭ ‬السيدة‭ ‬العذراء‭ ‬حافظة‭ ‬الزروع‭ ‬ودير‭ ‬الربان‭ ‬هرمزد‭ ‬داخل‭ ‬الرهبنة؟

يعتبر‭ ‬دير‭ ‬السيدة‭ ‬العذراء‭ ‬حافظة‭ ‬الزروع‭ ‬هو‭ ‬الدير‭ ‬الثاني‭ ‬بعد‭ ‬دير‭ ‬الربان‭ ‬هرمزد،‭ ‬حيث‭ ‬يتواجد‭ ‬فيه‭ ‬رئيس‭ ‬الدير‭ ‬مع‭ ‬الآباء‭ ‬والإخوة‭ ‬الرهبان،‭ ‬ويقومون‭ ‬بعيش‭ ‬حياتهم‭ ‬الروحية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الصلاة‭ ‬اليومية،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬قيامهم‭ ‬برسالتهم‭ ‬الرعوية‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬المؤمنين‭ ‬الروحية‭ ‬في‭ ‬القرى‭ ‬القريبة‭ ‬والنائية‭. ‬ويُعتبر‭ ‬أيضًا‭ ‬مكانًا‭ ‬روحيًا‭ ‬للصلاة،‭ ‬حيث‭ ‬يستقبل‭ ‬الدير‭ ‬الرياضات‭ ‬والنشاطات‭ ‬الروحية‭ ‬المختلفة‭. ‬أما‭ ‬بالنسبة‭ ‬لدير‭ ‬الربان‭ ‬هرمزد،‭ ‬فيعتبر‭ ‬اليوم‭ ‬ديرًا‭ ‬أثريًا‭ ‬ومركزًا‭ ‬للخلوات‭ ‬الروحية،‭ ‬حيث‭ ‬يأتي‭ ‬المؤمنون‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬بقاع‭ ‬العالم‭ ‬للصلاة‭ ‬والتبرك‭.‬

•‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬المراكز‭ ‬أو‭ ‬المؤسسات‭ ‬الأخرى‭ ‬التابعة‭ ‬للرهبنة‭ ‬الأنطونية؟

دار‭ ‬مار‭ ‬يوسف‭ ‬للأيتام‭:‬

نتائج‭ ‬الحروب‭ ‬هي‭ ‬الدمار‭ ‬والخراب،‭ ‬وهذا‭ ‬أمرٌ‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬فيه‭. ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المنطلق،‭ ‬كان‭ ‬للحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬تأثير‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬ارتفاع‭ ‬عدد‭ ‬الأيتام‭ ‬والمشردين،‭ ‬وكذلك‭ ‬على‭ ‬الانحرافات‭ ‬الخطيرة‭ ‬للأحداث،‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬البلدان‭ ‬التي‭ ‬شاركت‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬أو‭ ‬تعرضت‭ ‬للاحتلال‭. ‬وقد‭ ‬امتد‭ ‬هذا‭ ‬التأثير‭ ‬إلى‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬ومن‭ ‬بينه‭ ‬العراق‭ ‬الذي‭ ‬مرّ‭ ‬هو‭ ‬أيضًا‭ ‬بأيامٍ‭ ‬عسيرة‭. ‬فكان‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تظهر‭ ‬عواقب‭ ‬تلك‭ ‬الأيام‭ ‬الوخيمة‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬العراقي‭.‬

من‭ ‬أخطر‭ ‬هذه‭ ‬العواقب‭ ‬كان‭ ‬ترحيل‭ ‬الناس‭ ‬عن‭ ‬منازلهم‭ ‬وتهجيرهم‭ (‬سواء‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬لداعٍ‭ ‬سياسي،‭ ‬أو‭ ‬بسبب‭ ‬التشغيل‭ ‬القسري‭). ‬وقد‭ ‬أدت‭ ‬هذه‭ ‬الظروف‭ ‬إلى‭ ‬تفكيك‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬العائلات‭. ‬ونتيجة‭ ‬لذلك،‭ ‬ضاعف‭ ‬سوء‭ ‬التغذية‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬وزاد‭ ‬عدد‭ ‬الجرائم‭ ‬ذات‭ ‬الطابع‭ ‬الاقتصادي‭ ‬مثل‭ ‬السرقة،‭ ‬سوء‭ ‬الأئتمان،‭ ‬والتهريب‭ ‬بكافة‭ ‬أنواعه‭. ‬كما‭ ‬أثار‭ ‬ذلك‭ ‬عند‭ ‬الأطفال‭ ‬اضطرابات‭ ‬نفسية‭ ‬شجعتهم‭ ‬على‭ ‬ترك‭ ‬المدارس‭.‬

في‭ ‬ضوء‭ ‬هذا‭ ‬الواقع‭ ‬المرير،‭ ‬كان‭ ‬للرهبنة‭ ‬دور‭ ‬فاعل‭ ‬وبارز‭ ‬في‭ ‬معالجة‭ ‬وتذليل‭ ‬الصعاب‭ ‬وتخفيف‭ ‬وطأة‭ ‬المصائب‭ ‬التي‭ ‬خلّفتها‭ ‬تلك‭ ‬الأحداث،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مرافقة‭ ‬شعبها‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬ظروف‭ ‬حياتهم‭. ‬لم‭ ‬تكتفِ‭ ‬الرهبنة‭ ‬بهذا‭ ‬القدر،‭ ‬بل‭ ‬دفعها‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬إلى‭ ‬اتخاذ‭ ‬موقف‭ ‬يساهم‭ ‬في‭ ‬حل‭ ‬المشكلة‭ ‬ويخفف‭ ‬من‭ ‬الأضرار‭.‬

وقد‭ ‬ترجمت‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬بإنشاء‭ ‬ميتم‭ ‬خاص‭ ‬يرعى‭ ‬الأيتام‭ ‬والمشردين‭ ‬الذكور،‭ ‬أطلقت‭ ‬عليه‭ ‬اسم‭ ‬“ميتم‭ ‬مار‭ ‬يوسف‭ ‬البتول”‭. ‬جاء‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬بعد‭ ‬دراسة‭ ‬مستفيضة‭ ‬استغرقت‭ ‬عدة‭ ‬شهور‭ ‬ضمن‭ ‬اجتماعات‭ ‬موسعة‭ ‬ومداولات‭ ‬جادة‭. ‬وبعد‭ ‬تحديد‭ ‬موقعه‭ ‬الجغرافي‭ ‬ليكون‭ ‬ملاصقًا‭ ‬لدير‭ ‬السيدة‭ ‬حافظة‭ ‬الزروع‭ ‬من‭ ‬الجهة‭ ‬اليمنى،‭ ‬وُضع‭ ‬له‭ ‬حجر‭ ‬الأساس‭ ‬بتاريخ‭ ‬21‭ ‬آب‭ ‬1949،‭ ‬تحت‭ ‬رعاية‭ ‬وحضور‭ ‬الأنبا‭ (‬المطران‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭) ‬إسطفان‭ ‬بلو‭ ‬الرئيس‭ ‬العام،‭ ‬وبمعية‭ ‬الآباء‭ ‬والإخوة‭ ‬الرهبان‭.‬

دار‭ ‬النشر‭ ‬التابعة‭ ‬للرهبنة‭ ‬الأنطونية‭ ‬الهرمزديّة‭ ‬الكلدانيّة‭:‬

بمباركة‭ ‬غبطة‭ ‬أبينا‭ ‬الراحل‭ ‬البطريرك‭ ‬مار‭ ‬روفائيل‭ ‬الأول‭ ‬بيداويد‭ ‬المثلث‭ ‬الرحمة،‭ ‬تم‭ ‬افتتاح‭ ‬مبنى‭ ‬المركز‭ (‬مركز‭ ‬جبرائيل‭ ‬دنبو‭ ‬الثقافي‭) ‬في‭ ‬15/3/2002،‭ ‬في‭ ‬ذكرى‭ ‬استشهاد‭ ‬خادم‭ ‬الله‭ ‬الشهيد‭ ‬الأنبا‭ ‬جبرائيل‭ ‬دنبو‭ - ‬الذي‭ ‬سُمّي‭ ‬المركز‭ ‬باسمه‭ - ‬مؤسس‭ ‬الرهبنة‭ ‬في‭ ‬الكنيسة‭ ‬الكلدانية‭ ‬بعد‭ ‬اندثارها‭ ‬قرابة‭ ‬مائة‭ ‬عام‭. ‬كان‭ ‬مبنى‭ ‬المركز‭ ‬يقع‭ ‬في‭ ‬دير‭ ‬مار‭ ‬أنطونيوس‭ ‬ببغداد،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الرهبانية‭ ‬قررت‭ ‬نقله‭ ‬إلى‭ ‬الموصل‭ ‬في‭ ‬دير‭ ‬مار‭ ‬كوركيس‭ ‬بسبب‭ ‬الظروف‭ ‬التي‭ ‬عصفت‭ ‬ببغداد،‭ ‬خصوصًا‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الدورة‭.‬

بعد‭ ‬ذلك،‭ ‬وفي‭ ‬أعقاب‭ ‬احتلال‭ ‬داعش‭ ‬لمدينة‭ ‬الموصل،‭ ‬قاموا‭ ‬بسرقة‭ ‬المركز‭ ‬وحرقه‭ ‬بالكامل‭. ‬ولكن‭ ‬اليوم،‭ ‬قام‭ ‬الآباء‭ ‬والإخوة‭ ‬الرهبان‭ ‬ببناء‭ ‬مركز‭ ‬ثقافي‭ ‬جديد‭ ‬ضمن‭ ‬المجمّع‭ ‬العام‭ ‬للرهبنة‭ ‬الأنطونية‭ ‬الهرمزديّة‭ ‬الكلدانية‭ ‬في‭ ‬عنكاوا،‭ ‬لإعادة‭ ‬نشر‭ ‬الكتب‭.‬

ويحتضن‭ ‬المركز‭ ‬المخطوطات‭ ‬السريانية‭ ‬التابعة‭ ‬للرهبنة،‭ ‬التي‭ ‬تتمتع‭ ‬بتاريخ‭ ‬عريق‭. ‬فهي‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أكبر‭ ‬المجموعات‭ ‬الدينية‭ ‬الخاصة‭ ‬التي‭ ‬تحتفظ‭ ‬بالمخطوطات‭ ‬القيمة‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬وتحتوي‭ ‬على‭ ‬المئات‭ ‬من‭ ‬المخطوطات‭ ‬في‭ ‬شتى‭ ‬المجالات‭. ‬تضم‭ ‬خزانة‭ ‬الرهبنة‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المخطوطات‭ ‬القديمة‭ ‬التي‭ ‬تتراوح‭ ‬أعمارها‭ ‬بين‭ ‬القرن‭ ‬الثامن‭ ‬الميلادي‭ ‬وحتى‭ ‬أيامنا‭ ‬هذه،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬أرشيف‭ ‬المراسلات‭ ‬الشخصية‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬الشخصيات‭ ‬المعروفة‭ ‬من‭ ‬بطاركة‭ ‬وأساقفة‭ ‬ورؤساء‭ ‬عامين‭ ‬ورجال‭ ‬دين‭ ‬ودولة،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬أرشيف‭ ‬الصور‭ ‬والتوثيقات‭ ‬السمعية‭ ‬والبصرية،‭ ‬والمقتنيات‭ ‬الأثرية،‭ ‬والذخائر،‭ ‬والطوابع‭ ‬وغيرها‭.‬

•‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬الأنشطة‭ ‬أو‭ ‬المهمات‭ ‬الرئيسية‭ ‬التي‭ ‬يقوم‭ ‬بها‭ ‬الرهبان‭ ‬هنا؟

إنّ‭ ‬موهبة‭ ‬“كاريزما”‭ ‬رهبنتنا‭ ‬تتمحور‭ ‬حول‭ ‬حياة‭ ‬الصلاة‭ ‬وحياة‭ ‬العمل،‭ ‬وبهما‭ ‬نبشِّر‭ ‬بملكوت‭ ‬الله‭. ‬يعيش‭ ‬الرهبان‭ ‬هذه‭ ‬الموهبة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الحياة‭ ‬المشتركة‭ ‬التي‭ ‬تشكّل‭ ‬جزءًا‭ ‬أساسيًا‭ ‬من‭ ‬الحياة‭ ‬الرهبانية،‭ ‬وطريقًا‭ ‬للنمو‭ ‬في‭ ‬جوّ‭ ‬التقبّل‭ ‬المتبادل،‭ ‬والتسامح،‭ ‬وقبول‭ ‬الفوارق‭ ‬والحدود‭. ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الجو،‭ ‬يشهد‭ ‬الرهبان‭ ‬لملكوت‭ ‬المسيح‭ ‬وحضوره‭ ‬المنعش،‭ ‬طبقًا‭ ‬لما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬الإنجيل‭ ‬المقدّس‭: ‬‮«‬فَحَيثُما‭ ‬اجتمعَ‭ ‬اثنانِ‭ ‬أو‭ ‬ثلاثةٌ‭ ‬باسمي،‭ ‬كنتُ‭ ‬هناكَ‭ ‬بينَهم‮»‬‭ (‬مت‭ ‬18‭: ‬20‭).‬

تقوم‭ ‬حياة‭ ‬الراهب‭ ‬على‭ ‬الصلاة‭ ‬والعمل؛‭ ‬فالصلاة،‭ ‬المركّزة‭ ‬على‭ ‬الكتاب‭ ‬المقدس‭ ‬والليتورجيا،‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬أساس‭ ‬العمل‭ ‬والعلاقة‭ ‬الأخوية‭ ‬بين‭ ‬أفراد‭ ‬الجماعة‭ ‬الواحدة‭. ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬يشغل‭ ‬الدرس‭ ‬والتثقيف‭ ‬والمطالعة‭ ‬مجالًا‭ ‬هامًا‭ ‬في‭ ‬نهار‭ ‬الإخوة‭ ‬الرهبان،‭ ‬ولا‭ ‬يُضحَّى‭ ‬بذلك‭ ‬إلا‭ ‬لأسباب‭ ‬ضرورية‭ ‬وطارئة،‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬الدراسة‭ ‬والتثقيف‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الحياة‭ ‬الرهبانية‭ ‬ونظامها،‭ ‬وخصوصًا‭ ‬الصلاة‭.‬

يعتبر‭ ‬العمل‭ ‬عنصرًا‭ ‬أساسيًا‭ ‬في‭ ‬التقدّم‭ ‬البشري‭ ‬ويتيح‭ ‬للرهبنة‭ ‬أن‭ ‬تلبّي‭ ‬حاجاتها‭ ‬الجماعية‭ ‬والرسولية،‭ ‬وهو‭ ‬وسيلة‭ ‬اللقاء‭ ‬بجميع‭ ‬الأخوة‭. ‬حيث‭ ‬يعمل‭ ‬الرهبان‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الرسالة‭ ‬والخدمة‭ ‬الرعوية‭ ‬والتعليم‭ ‬في‭ ‬الجامعات‭ ‬الأكاديمية،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬إعطاء‭ ‬المحاضرات‭ ‬الروحية‭ ‬والثقافية‭ ‬للشباب‭ ‬بمختلف‭ ‬أعمارهم‭.‬

إضافة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬يعمل‭ ‬الرهبان‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬حفظ‭ ‬إرثهم‭ ‬الرهباني‭ ‬والكنسي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬العمل‭ ‬الذي‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬المكتبة‭ ‬السريانية‭ ‬على‭ ‬المخطوطات‭ ‬التابعة‭ ‬للرهبنة‭. ‬حيث‭ ‬يقوم‭ ‬الرهبان‭ ‬بتصويرها‭ ‬وفهرستها‭ ‬لكي‭ ‬تكون‭ ‬متاحة‭ ‬لجميع‭ ‬الباحثين‭ ‬والدارسين‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭.‬

•‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬دور‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬ووسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الحديثة‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬رسالة‭ ‬الرهبنة؟

من‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬الرهبنة‭ ‬كانت‭ ‬وما‭ ‬زالت‭ ‬الحافظة‭ ‬لكل‭ ‬الموروث‭ ‬الطقسي‭ ‬بالمخطوطات‭ ‬العديدة‭ ‬التي‭ ‬حافظ‭ ‬عليها‭ ‬الآباء‭ ‬والإخوة‭ ‬الرهبان‭. ‬كانت‭ ‬الرهبنة‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬المكان‭ ‬الذي‭ ‬يُحتفل‭ ‬فيه‭ ‬بكافة‭ ‬الطقوس‭ ‬الليتورجية‭. ‬أما‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬دور‭ ‬الرهبنة‭ ‬اليوم،‭ ‬فمن‭ ‬المؤكد‭ ‬أنها‭ ‬تأخذ‭ ‬على‭ ‬محمل‭ ‬الجد‭ ‬وبكافة‭ ‬طاقتها‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬المخطوطات‭ ‬وتصويرها‭ ‬وجعلها‭ ‬متاحة‭ ‬للدارسين‭. ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬ذلك،‭ ‬تقوم‭ ‬الرهبنة‭ ‬اليوم‭ ‬بمشروع‭ ‬جديد‭ ‬وهو‭ ‬نقل‭ ‬هذا‭ ‬الموروث‭ ‬المكتوب‭ ‬ورقيًا‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬جديدة،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬الرهبان‭ ‬دائمًا‭ ‬سباقين‭ ‬في‭ ‬تبني‭ ‬العلوم‭ ‬المعاصرة‭ ‬المتاحة‭ ‬لهم‭.‬

اليوم،‭ ‬تقوم‭ ‬الرهبنة‭ ‬بتحويل‭ ‬كافة‭ ‬الصلوات‭ ‬الطقسية‭ ‬إلى‭ ‬شكل‭ ‬إلكتروني‭ ‬مع‭ ‬ترجمتها‭ ‬التامة‭ ‬إلى‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬وإضافة‭ ‬كافة‭ ‬التسجيلات‭ ‬الصوتية‭ ‬المكافئة‭ ‬للألحان‭. ‬بحيث‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬متناول‭ ‬يد‭ ‬مؤمني‭ ‬كنيستنا‭ ‬في‭ ‬أصقاع‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تطبيق‭ ‬على‭ ‬الهواتف‭ ‬الذكية‭ ‬والحواسيب‭ ‬وعلى‭ ‬شبكة‭ ‬الإنترنت‭. ‬كما‭ ‬تم‭ ‬تطوير‭ ‬تقويم‭ ‬ليتورجي‭ ‬ذاتي‭ ‬التوليد‭ ‬يعرض‭ ‬الصلوات‭ ‬الطقسية‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬لغة،‭ ‬مع‭ ‬مساعدات‭ ‬صوتية‭ ‬لأبائنا‭ ‬الذين‭ ‬سجّلوا‭ ‬بحناجرهم‭ ‬الجميلة‭ ‬هذا‭ ‬الموروث،‭ ‬ليعود‭ ‬مؤمنونا‭ ‬في‭ ‬كنيستنا‭ ‬الكلدانية‭ ‬إلى‭ ‬تذوّق‭ ‬والاستمتاع‭ ‬بغنى‭ ‬موروثهم‭ ‬الطقسي‭ ‬الليتورجي،‭ ‬فيتمسكون‭ ‬به‭ ‬بشكل‭ ‬أقوى‭ ‬ولا‭ ‬يتكئوا‭ ‬على‭ ‬استيراد‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬غريب‭ ‬عن‭ ‬تاريخنا‭ ‬وحضارتنا‭ ‬ولغتنا‭.‬

من‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬الإعلام‭ ‬الكنسي‭ ‬أو‭ ‬الإعلام‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬قد‭ ‬ظلم‭ ‬الرهبنات،‭ ‬ولكننا‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬نظلم‭ ‬أنفسنا‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬نأخذ‭ ‬لغة‭ ‬هذا‭ ‬العصر‭ ‬ونتبناها‭. ‬ومن‭ ‬هذا‭ ‬الجانب،‭ ‬قامت‭ ‬الرهبنة‭ ‬بتوفير‭ ‬أعضاء‭ ‬متخصصين‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الإعلام،‭ ‬فنحن‭ ‬الآن‭ ‬على‭ ‬العتبات‭ ‬الأولى‭ ‬لاستخدام‭ ‬هذه‭ ‬الوسائل‭ ‬المعاصرة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬موقع‭ ‬إلكتروني‭ ‬للرهبنة‭ ‬https‭://‬oaoc.net‭/‬،‭ ‬ونستخدم‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬الأخرى‭ ‬لبث‭ ‬كافة‭ ‬نشاطات‭ ‬الرهبنة‭. ‬واليوم،‭ ‬كما‭ ‬ذكرت،‭ ‬نقوم‭ ‬بتبني‭ ‬الهندسة‭ ‬الرقمية‭ ‬لإيصال‭ ‬صوتنا‭ ‬ونشاطنا‭ ‬إلى‭ ‬كافة‭ ‬مؤمني‭ ‬كنيستنا‭. ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬دور‭ ‬القيادات‭ ‬الكنسية‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬مؤثرًا،‭ ‬إلا‭ ‬أننا‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬حبريّة‭ ‬الرهبنة‭ ‬واستقلاليتها،‭ ‬نعمل‭ ‬دون‭ ‬كلل‭ ‬أو‭ ‬ملل‭ ‬لكي‭ ‬نوصل‭ ‬صوتنا‭ ‬للعالم‭ ‬أجمع‭.‬

كيف‭ ‬يتم‭ ‬تمويل‭ ‬نشاطات‭ ‬الدير‭ ‬والرهبنة،‭ ‬وهل‭ ‬تعتمدون‭ ‬على‭ ‬دعم‭ ‬محلي‭ ‬أو‭ ‬دولي؟

الرهبنة‭ ‬ذات‭ ‬حق‭ ‬حبري،‭ ‬وتُمول‭ ‬نفسها‭ ‬من‭ ‬المعونات‭ ‬والهبات‭ ‬وحسنات‭ ‬القداديس،‭ ‬إضافةً‭ ‬إلى‭ ‬نشاطات‭ ‬الإخوة‭ ‬الرهبان‭ ‬الرعوية‭ ‬أو‭ ‬الأكاديمية،‭ ‬ومن‭ ‬ريع‭ ‬الأراضي‭ ‬الزراعية‭ ‬والأراضي‭ ‬المستثمرة‭ ‬التي‭ ‬أقامت‭ ‬الرهبنة‭ ‬فيها‭ ‬مشاريع‭ ‬لتسيير‭ ‬أمورها‭ ‬اليومية‭.‬

•‭ ‬هل‭ ‬تتلقى‭ ‬الرهبنة‭ ‬دعماً‭ ‬من‭ ‬الكنيسة‭ ‬الكلدانية‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬جهات‭ ‬دينية‭ ‬أخرى؟

بالرغم‭ ‬من‭ ‬قلة‭ ‬عدد‭ ‬أعضاء‭ ‬الرهبنة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬النشاطات‭ ‬التي‭ ‬نقوم‭ ‬بها‭ ‬تعكس‭ ‬وجهة‭ ‬الرهبنة‭ ‬لخدمة‭ ‬أبناء‭ ‬كنيستنا‭ ‬الكلدانية‭ ‬وخدمة‭ ‬أبناء‭ ‬بلدنا‭. ‬فالرهبنة‭ ‬كانت‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬الحاضنة‭ ‬للكنيسة‭ ‬الكلدانية‭ ‬وخادمة‭ ‬لها،‭ ‬والتي‭ ‬تسندها‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬الأصعدة‭. ‬فإن‭ ‬كان‭ ‬أكاديمياً،‭ ‬فالإخوة‭ ‬الرهبان‭ ‬يدرّسون‭ ‬في‭ ‬الجامعات‭ ‬وفي‭ ‬الأخويات‭ ‬وفي‭ ‬الكنائس‭. ‬وهذا‭ ‬الدور‭ ‬هو‭ ‬أساسي‭ ‬ومن‭ ‬صميم‭ ‬دعوتنا‭ ‬الرهبانية‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسة‭ ‬العريقة‭.‬

روحانية‭ ‬رهبنتنا‭ ‬تظهر‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تفانينا‭ ‬في‭ ‬عملنا‭ ‬وحبنا‭ ‬لبلدنا‭ ‬وكنيستنا‭.‬

كانت‭ ‬الرهبنة‭ ‬إلى‭ ‬حدٍّ‭ ‬كبير‭ ‬حاضنة‭ ‬للكنيسة‭ ‬الكلدانية،‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬مقرًا‭ ‬للكرسي‭ ‬البطريركي‭ ‬لكنيسة‭ ‬المشرق‭. ‬وكان‭ ‬مؤسس‭ ‬الرهبنة‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬ثبت‭ ‬البطريرك‭ ‬يوحنا‭ ‬هرمز‭ ‬الثامن‭ ‬كأول‭ ‬بطريرك‭ ‬للكنيسة‭ ‬الكلدانية‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬1830،‭ ‬جالبًا‭ ‬معه‭ ‬الباليوم‭ ‬من‭ ‬روما‭. ‬كما‭ ‬رفدت‭ ‬الرهبنة‭ ‬الكنيسة‭ ‬الكلدانية‭ ‬ببطاركة،‭ ‬وأساقفة،‭ ‬ورؤساء‭ ‬عامين،‭ ‬وكهنة‭ ‬غيورين‭ ‬ذوي‭ ‬نفوذ‭. ‬وحتى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا،‭ ‬من‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬آخر‭ ‬أسقف‭ ‬من‭ ‬رهبنتنا‭ ‬كان‭ ‬المطران‭ ‬إبلحد‭ ‬ربان‭ ‬الذي‭ ‬توفي‭ ‬سنة‭ ‬1998،‭ ‬وهو‭ ‬آخر‭ ‬أسقف‭ ‬كلداني‭ ‬من‭ ‬رهبنتنا‭ ‬العريقة‭.‬

لكن‭ ‬الرهبنة‭ ‬قادرة‭ ‬اليوم‭ ‬أيضًا‭ ‬على‭ ‬دعم‭ ‬الكنيسة‭ ‬برهبانها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الخدمات‭ ‬المتنوعة‭ ‬التي‭ ‬تقدمها،‭ ‬والمستقبل‭ ‬سيكون‭ ‬شاهدًا‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬قدمته،‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬تقديمه‭ ‬للكنيسة‭ ‬الكلدانية‭.‬

•‭ ‬كيف‭ ‬يتم‭ ‬اختيار‭ ‬الرهبان‭ ‬الجدد‭ ‬وما‭ ‬هي‭ ‬المتطلبات‭ ‬الأساسية‭ ‬للانضمام‭ ‬إلى‭ ‬الرهبنة؟

يجب‭ ‬أن‭ ‬تتوفر‭ ‬لدى‭ ‬المتقدم‭ ‬للرهبنة‭ ‬قناعات‭ ‬مسيحية‭ ‬راسخة،‭ ‬ورغبة‭ ‬صادقة‭ ‬في‭ ‬اتباع‭ ‬المسيح،‭ ‬ونيّة‭ ‬مستقيمة‭. ‬كما‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يتمتع‭ ‬بصحة‭ ‬جيدة،‭ ‬وحكم‭ ‬صائب،‭ ‬وطبع‭ ‬متوازن‭ ‬ومنفتح،‭ ‬ونضج‭ ‬نفسي‭ ‬وعاطفي،‭ ‬وثقافة‭ ‬إنسانية‭ ‬كافية،‭ ‬ونزاهة‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬المصلحة‭ ‬الخاصة،‭ ‬وكفاءة‭ ‬للحياة‭ ‬الرهبانية،‭ ‬والقدرة‭ ‬على‭ ‬العيش‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬جماعية‭.‬

يتضمن‭ ‬ملف‭ ‬المرشح‭ ‬وثائق‭ ‬الحالة‭ ‬المدنية،‭ ‬وشهادة‭ ‬العماد‭ ‬والتثبيت،‭ ‬وبيان‭ ‬الحالة‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬تجاوز‭ ‬الثامنة‭ ‬عشرة‭ ‬من‭ ‬عمره،‭ ‬وحسن‭ ‬السلوك‭ ‬من‭ ‬راعي‭ ‬الأبرشية،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬معلومات‭ ‬أخرى‭ ‬ضرورية‭ ‬عن‭ ‬سيرته‭ ‬وأسرته‭.‬

هل‭ ‬هناك‭ ‬نظام‭ ‬تدريبي‭ ‬أو‭ ‬فترة‭ ‬إعداد‭ ‬خاصة‭ ‬بالرهبان‭ ‬الجدد‭ ‬قبل‭ ‬انخراطهم‭ ‬الكامل‭ ‬في‭ ‬الرهبنة؟

الراغبيّة‭ ‬والطالبيّة‭:‬

على‭ ‬كل‭ ‬راغب‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬الرهبانية‭ ‬قبل‭ ‬دخوله‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬الابتداء،‭ ‬أن‭ ‬يعيش‭ ‬خبرة‭ ‬حياة‭ ‬مسيحية‭ ‬لمدة‭ (‬3-6‭ ‬أشهر‭). ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬الفترة،‭ ‬يتم‭ ‬تحضيره‭ ‬لفهم‭ ‬المشورات‭ ‬الإنجيلية،‭ ‬وقوامها،‭ ‬وتطلّباتها،‭ ‬كما‭ ‬يتعرف‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬أيضًا‭ ‬على‭ ‬النظام‭ ‬الرهباني‭ ‬والأشخاص‭ ‬وعادات‭ ‬الدير‭.‬

مرحلة‭ ‬الطالبيّة‭:‬

بعد‭ ‬فترة‭ ‬الراغبيّة،‭ ‬ينتقل‭ ‬الراغب‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬الطالبيّة‭ (‬3-6‭ ‬أشهر‭)‬،‭ ‬قبل‭ ‬ارتدائه‭ ‬ثوب‭ ‬الابتداء‭.‬

مرحلة‭ ‬الابتداء‭:‬

بعد‭ ‬فترة‭ ‬الطالبيّة‭ ‬تبدأ‭ ‬الحياة‭ ‬الرهبانية‭ ‬بمرحلة‭ ‬الابتداء،‭ ‬التي‭ ‬تدوم‭ ‬سنة‭ ‬واحدة‭ ‬قانونية‭ ‬متواصلة‭. ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة،‭ ‬يسعى‭ ‬المبتدئ،‭ ‬تحت‭ ‬إشراف‭ ‬معلمه،‭ ‬إلى‭ ‬إتقان‭ ‬فهم‭ ‬القوانين‭ ‬الرهبانية،‭ ‬ويثابر‭ ‬على‭ ‬تنمية‭ ‬الصلاة‭ ‬الشخصية‭ ‬والجماعية‭. ‬كما‭ ‬يتأمل‭ ‬جيدًا‭ ‬في‭ ‬الفرائض‭ ‬اللازمة‭ ‬للنذور‭ ‬والفضائل‭ ‬التي‭ ‬ينبغي‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يعيش‭ ‬بموجبها،‭ ‬وبالتالي‭ ‬يسعى‭ ‬لامتلاكها،‭ ‬ملتزمًا‭ ‬بنوع‭ ‬خاص‭ ‬من‭ ‬الممارسات‭ ‬الضرورية‭ ‬لكي‭ ‬يتمكن‭ ‬من‭ ‬اقتلاع‭ ‬الرذائل‭ ‬من‭ ‬نفسه‭ ‬والتحكم‭ ‬في‭ ‬قلبه‭ ‬وروحه‭. ‬وهذا‭ ‬يساعده‭ ‬على‭ ‬الشعور‭ ‬بالفرح‭ ‬عند‭ ‬إعطاء‭ ‬ذاته‭ ‬للرب،‭ ‬ساعيًا‭ ‬إلى‭ ‬الكمال‭ ‬بتنمية‭ ‬الفضائل‭ ‬الخاصة‭ ‬التي‭ ‬تُطلب‭ ‬منه‭.‬

النذور‭ ‬المؤقتة‭:‬

بعد‭ ‬مرحلة‭ ‬الابتداء،‭ ‬يُجاهر‭ ‬الراهب‭ ‬بالنذور‭ ‬الثلاثة‭ (‬الطاعة،‭ ‬والعفة،‭ ‬والفقر‭) ‬لمدة‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات،‭ ‬يجددها‭ ‬كل‭ ‬سنة‭ ‬لثلاث‭ ‬مرات‭ ‬متتالية‭. ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة،‭ ‬يركز‭ ‬الراهب‭ ‬على‭ ‬توسيع‭ ‬ثقافته‭ ‬الدينية‭ ‬والإنسانية،‭ ‬وتعميق‭ ‬حياته‭ ‬الروحية،‭ ‬ويسعى‭ ‬للعيش‭ ‬ارتباطًا‭ ‬كاملاً‭ ‬بالمسيح‭ ‬استعدادًا‭ ‬للخطوة‭ ‬النهائية،‭ ‬وهي‭ ‬المجاهرة‭ ‬بالنذور‭ ‬المؤبدة‭.‬

النذور‭ ‬المؤبدة‭:‬

بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬فترة‭ ‬النذور‭ ‬المؤقتة،‭ ‬يُجاهر‭ ‬الراهب‭ ‬بنذوره‭ ‬الدائمة،‭ ‬وينتمي‭ ‬رسميًا‭ ‬إلى‭ ‬الرهبنة‭. ‬إن‭ ‬التنشئة‭ ‬الإنسانية‭ ‬واللاهوتية‭ ‬ضرورية‭ ‬لكل‭ ‬ناذر،‭ ‬وفقًا‭ ‬لإمكاناته،‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬معدًا‭ ‬للكهنوت‭. ‬يمكن‭ ‬للراهب‭ ‬ذو‭ ‬النذور‭ ‬المؤبدة‭ ‬الارتقاء‭ ‬إلى‭ ‬الدرجة‭ ‬الكهنوتية‭ ‬بعد‭ ‬إتمامه‭ ‬للدراسات‭ ‬الفلسفية‭ ‬واللاهوتية،‭ ‬إذا‭ ‬اقتضت‭ ‬الحاجة‭ ‬وتوافرت‭ ‬الشروط‭ ‬اللازمة‭ ‬لذلك‭.‬

•‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬تأثير‭ ‬الرهبنة‭ ‬الأنطونية‭ ‬الهرمزدية‭ ‬على‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬التراث‭ ‬الكلداني‭ ‬والديني‭ ‬في‭ ‬المنطقة؟

من‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬الرهبنة‭ ‬كانت‭ ‬هي‭ ‬الحافظ‭ ‬الرئيسي‭ ‬لكل‭ ‬الموروث‭ ‬الطقسي،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المخطوطات‭ ‬العديدة‭ ‬التي‭ ‬حافظ‭ ‬عليها‭ ‬الآباء‭ ‬والإخوة‭ ‬الرهبان‭. ‬أما‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬دور‭ ‬الرهبنة‭ ‬اليوم،‭ ‬فيعمل‭ ‬الرهبان‭ ‬بعد‭ ‬إنشاء‭ ‬الدير‭ ‬الجديد‭ ‬في‭ ‬أربيل،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬المؤسسات‭ ‬العالمية،‭ ‬وفقًا‭ ‬لكل‭ ‬المعايير‭ ‬الدولية‭ ‬لحفظ‭ ‬هذه‭ ‬المخطوطات‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬آمن،‭ ‬وتصويرها‭ ‬رقميًا،‭ ‬وترميمها‭ ‬وقائيًا‭ ‬وعلاجيًا،‭ ‬وفهرستها‭ ‬بكافة‭ ‬التفاصيل،‭ ‬سواء‭ ‬كانت‭ ‬الفهرسة‭ ‬الكتابية‭ ‬أو‭ ‬فهرسة‭ ‬المحتوى‭.‬

ومن‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬الرهبنة‭ ‬تأخذ‭ ‬على‭ ‬عاتقها‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬المخطوطات‭ ‬بكل‭ ‬طاقتها،‭ ‬وتصويرها،‭ ‬وجعلها‭ ‬متاحة‭ ‬للدارسين‭. ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬ذلك،‭ ‬تقوم‭ ‬الرهبنة‭ ‬اليوم‭ ‬بمشروع‭ ‬جديد‭ ‬لتحويل‭ ‬كافة‭ ‬الصلوات‭ ‬الطقسية‭ ‬إلى‭ ‬شكل‭ ‬إلكتروني‭ ‬مع‭ ‬ترجمتها‭ ‬التامة‭ ‬إلى‭ ‬اللغة‭ ‬العربية،‭ ‬وإضافة‭ ‬جميع‭ ‬التسجيلات‭ ‬الصوتية‭ ‬المكافئة‭ ‬للألحان‭. ‬وبذلك،‭ ‬تكون‭ ‬هذه‭ ‬المواد‭ ‬في‭ ‬متناول‭ ‬يد‭ ‬مؤمني‭ ‬كنيستنا‭ ‬في‭ ‬أصقاع‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تطبيق‭ ‬على‭ ‬الهواتف‭ ‬الذكية‭ ‬والحواسيب،‭ ‬وكذلك‭ ‬عبر‭ ‬شبكة‭ ‬الإنترنت‭. ‬يشمل‭ ‬ذلك‭ ‬تقويم‭ ‬ليتورجي‭ ‬ذاتي‭ ‬التوليد‭ ‬يعرض‭ ‬الصلوات‭ ‬الطقسية‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬لغة،‭ ‬مع‭ ‬مساعدات‭ ‬صوتية‭ ‬لأبائنا‭ ‬الذين‭ ‬سجلوا‭ ‬بحناجرهم‭ ‬الجميلة‭ ‬هذا‭ ‬الموروث‭. ‬بذلك،‭ ‬يعود‭ ‬مؤمنونا‭ ‬في‭ ‬كنيستنا‭ ‬الكلدانية‭ ‬إلى‭ ‬تذوق‭ ‬والاستمتاع‭ ‬بغنى‭ ‬موروثهم‭ ‬الطقسي‭ ‬الليتورجي،‭ ‬فيتمسكون‭ ‬به‭ ‬بشكل‭ ‬أقوى،‭ ‬ولا‭ ‬يعتمدون‭ ‬على‭ ‬استيراد‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬غريب‭ ‬عن‭ ‬تاريخنا‭ ‬وحضارتنا‭ ‬ولغتنا‭.‬

هكذا‭ ‬ستكون‭ ‬الرهبنة،‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬سابق‭ ‬عهدها،‭ ‬منارة‭ ‬للعلم‭ ‬والثقافة،‭ ‬وحفظ‭ ‬الإرث‭ ‬ودراسته‭ ‬ونشره،‭ ‬والمساهمة‭ ‬عالميًا‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬هوية‭ ‬وكيان‭ ‬أبناء‭ ‬كنيستنا‭ ‬وأبناء‭ ‬شعبنا‭ ‬كأبناء‭ ‬أصلاء‭ ‬لهذا‭ ‬البلد‭.‬

•‭ ‬كيف‭ ‬تسهم‭ ‬الرهبنة‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬التعليم‭ ‬أو‭ ‬الأنشطة‭ ‬الثقافية‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬المحلي؟

لرهبنتنا‭ ‬شعار‭ ‬وهو‭: ‬“بالصلاة‭ ‬والعمل‭ ‬نبشّر”‭. ‬صلاتنا‭ ‬هي‭ ‬الصلاة‭ ‬الطقسية،‭ ‬وعملنا‭ ‬كان‭ ‬سابقًا‭ ‬عملًا‭ ‬يدويًا‭ ‬وعملًا‭ ‬رعويًا‭. ‬لكن‭ ‬اليوم،‭ ‬قد‭ ‬تغير‭ ‬العمل‭ ‬اليدوي‭ ‬بسبب‭ ‬قلة‭ ‬عدد‭ ‬الرهبان،‭ ‬وتوجههم‭ ‬إلى‭ ‬أعمال‭ ‬أخرى،‭ ‬منها‭ ‬الأنشطة‭ ‬الأكاديمية‭ ‬مثل‭ ‬التدريس‭ ‬في‭ ‬الجامعات،‭ ‬والعمل‭ ‬مع‭ ‬الأخويات‭ ‬الكنسية،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬العمل‭ ‬الرعوي‭ ‬المستمر‭ ‬الذي‭ ‬يقوم‭ ‬به‭ ‬رهباننا‭ ‬في‭ ‬الأبرشيات‭ ‬الكلدانية‭ ‬المختلفة‭.‬

إلى‭ ‬جانب‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬العمل،‭ ‬تتبنى‭ ‬الرهبنة‭ ‬عدة‭ ‬مشاريع‭ ‬أخرى‭ ‬إنسانية،‭ ‬منها‭ ‬رعاية‭ ‬الأيتام،‭ ‬وكذلك‭ ‬مشروع‭ ‬جديد‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬الرهبنة‭ ‬وهو‭ ‬دار‭ ‬للمسنين،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الضيافة‭ ‬الديرية‭ ‬المعهودة‭.‬

ما‭ ‬هو‭ ‬دور‭ ‬الرهبنة‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬الخدمات‭ ‬الإنسانية،‭ ‬مثل‭ ‬رعاية‭ ‬الفقراء‭ ‬أو‭ ‬المحتاجين؟

نتائج‭ ‬الحروب‭ ‬هي‭ ‬الدمار‭ ‬والخراب،‭ ‬وهذا‭ ‬أمرٌ‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬فيه‭. ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المنطلق،‭ ‬كان‭ ‬للحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬تأثير‭ ‬مهم‭ ‬على‭ ‬ارتفاع‭ ‬عدد‭ ‬الأيتام‭ ‬والمشردين‭ ‬والانحرافات‭ ‬الخطيرة‭ ‬للأحداث‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬البلدان‭ ‬التي‭ ‬شاركت‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬أو‭ ‬تعرضت‭ ‬للاحتلال‭. ‬وقد‭ ‬امتد‭ ‬هذا‭ ‬التأثير‭ ‬إلى‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬ومنه‭ ‬العراق‭ ‬الذي‭ ‬مرّ‭ ‬هو‭ ‬أيضًا‭ ‬بأيام‭ ‬عسيرة‭. ‬فكان‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تظهر‭ ‬عواقب‭ ‬تلك‭ ‬الأيام‭ ‬الوخيمة‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬العراقي‭. ‬ومن‭ ‬أخطر‭ ‬هذه‭ ‬العواقب‭ ‬ترحيل‭ ‬الناس‭ ‬عن‭ ‬منازلهم‭ ‬وتهجيرها‭ (‬سواء‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬لداعٍ‭ ‬سياسي‭ ‬أو‭ ‬بسبب‭ ‬التشغيل‭ ‬القسري‭)‬،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تفكيك‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬العائلات‭. ‬ونتيجة‭ ‬لذلك،‭ ‬ضاعف‭ ‬سوء‭ ‬التغذية‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬وعدد‭ ‬الجرائم‭ ‬ذات‭ ‬الطابع‭ ‬الاقتصادي‭ ‬مثل‭ ‬السرقة،‭ ‬وسوء‭ ‬الأمانة،‭ ‬والتهريب‭ ‬بكل‭ ‬أنواعه‭. ‬كما‭ ‬أثار‭ ‬ذلك‭ ‬اضطرابات‭ ‬نفسية‭ ‬عند‭ ‬الأطفال‭ ‬بسبب‭ ‬ما‭ ‬يلحقه‭ ‬من‭ ‬أذى‭ ‬جسدي،‭ ‬مما‭ ‬شجعهم‭ ‬على‭ ‬الفرار‭ ‬من‭ ‬المدارس،‭ ‬وأدى‭ ‬إلى‭ ‬خلق‭ ‬نزاعات‭ ‬الشغب‭ ‬والتشرد‭ ‬في‭ ‬تجمعات‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬عصابات‭ ‬صغيرة‭.‬

في‭ ‬ضوء‭ ‬هذا‭ ‬الواقع‭ ‬المرير،‭ ‬كان‭ ‬للرهبانية‭ ‬الدور‭ ‬الفاعل‭ ‬والبارز‭ ‬في‭ ‬معالجة‭ ‬وتذليل‭ ‬الصعاب‭ ‬وتخفيف‭ ‬وطأة‭ ‬المصائب‭ ‬التي‭ ‬خلّفتها‭ ‬تلك‭ ‬الأحداث‭. ‬بما‭ ‬أن‭ ‬الرهبانية‭ ‬أخذت‭ ‬على‭ ‬عاتقها‭ ‬أن‭ ‬ترافق‭ ‬شعبها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ظروف‭ ‬حياتهم،‭ ‬وخاصةً‭ ‬الصعبة‭ ‬منها،‭ ‬أصرت‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تبقى‭ ‬وفية‭ ‬لهذا‭ ‬العهد‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬جميع‭ ‬المجريات‭ ‬المأساوية،‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬الثمن‭ ‬غاليًا‭ ‬جدًا‭: ‬رهبان‭ ‬شهداء‭ ‬وقعوا‭ ‬بدمائهم‭ ‬وثيقة‭ ‬حبهم‭ ‬لوطنهم‭ ‬وكنيستهم‭ ‬ورهبانيّتهم‭. ‬عرفوا‭ ‬الطريق‭ ‬السالك‭ ‬إلى‭ ‬الأب،‭ ‬فساروا‭ ‬على‭ ‬دربه‭ ‬ومنحوه‭ ‬أغلى‭ ‬ما‭ ‬عندهم‭. ‬أدركوا‭ ‬الحق‭ ‬فوقفوا‭ ‬معه‭ ‬وواجهوا‭ ‬الظلم‭ ‬بشجاعة‭ ‬وإيمان،‭ ‬برّهم‭ ‬أولًا،‭ ‬ثم‭ ‬بشعبهم‭.‬

بدافع‭ ‬محبتها‭ ‬الكبيرة‭ ‬لشعبها،‭ ‬فتحت‭ ‬الرهبانية‭ ‬أديارها‭ ‬لتستقبل‭ ‬المهجّرين‭ ‬من‭ ‬مناطق‭ ‬متعددة‭ ‬من‭ ‬العراق،‭ ‬فبلغ‭ ‬عددهم‭ ‬المئات‭. ‬أمّنت‭ ‬لهم‭ ‬المعيشة‭ ‬من‭ ‬مأكل‭ ‬ومشرب‭ ‬وملبس‭ ‬ومنام،‭ ‬وأمضوا‭ ‬فيها‭ ‬وقتًا‭ ‬طويلاً‭. ‬إننا‭ ‬نقولها‭ ‬بحق‭: ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬رسالة‭ ‬إنسانية‭ ‬أرادت‭ ‬الرهبانية‭ ‬القيام‭ ‬بها‭ ‬على‭ ‬أكمل‭ ‬وجه‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬رسالتها‭ ‬الروحية‭. ‬وتاريخها‭ ‬شاهدٌ‭ ‬عليها‭ ‬بأنها‭ ‬ما‭ ‬تقاعست‭ ‬يومًا‭ ‬عن‭ ‬خدمة‭ ‬أبنائها‭ ‬المحتاجين‭ ‬في‭ ‬الأيام‭ ‬العصيبة‭ ‬وفي‭ ‬جميع‭ ‬الأزمنة‭ ‬المصيرية‭ ‬التي‭ ‬اجتازها‭ ‬العراق‭ ‬عبر‭ ‬مراحله‭ ‬التاريخية‭ ‬المتوالية‭.‬

لم‭ ‬تكتفِ‭ ‬الرهبنة‭ ‬بهذا‭ ‬القدر،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬دفعتها‭ ‬إلى‭ ‬اتخاذ‭ ‬موقف‭ ‬يساهم‭ ‬في‭ ‬حل‭ ‬المشكلة‭ ‬ويخفف‭ ‬من‭ ‬الأضرار‭. ‬ترجمت‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬بإنشاء‭ ‬ميتماً‭ ‬خاصًا‭ ‬يرعى‭ ‬الأيتام‭ ‬والمشردين‭ ‬الذكور،‭ ‬أطلقت‭ ‬عليه‭ ‬اسم‭ ‬“ميتم‭ ‬مار‭ ‬يوسف‭ ‬خطيب‭ ‬السيدة‭ ‬مريم‭ ‬العذراء”‭. ‬وقد‭ ‬جاء‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬بعد‭ ‬دراسة‭ ‬مستفيضة‭ ‬استغرقت‭ ‬عدة‭ ‬شهور،‭ ‬ضمن‭ ‬اجتماعات‭ ‬موسعة‭ ‬ومداولات‭ ‬جادة‭. ‬وبعد‭ ‬تحديد‭ ‬موقعه‭ ‬الجغرافي‭ ‬ليكون‭ ‬ملاصقًا‭ ‬لدير‭ ‬السيدة‭ ‬حافظة‭ ‬الزروع‭ ‬من‭ ‬الجهة‭ ‬اليمنى،‭ ‬تم‭ ‬وضع‭ ‬حجر‭ ‬الأساس‭ ‬في‭ ‬21‭ ‬آب‭ ‬1949،‭ ‬تحت‭ ‬رعاية‭ ‬وحضور‭ ‬الأنبا‭ (‬المطران‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭) ‬إسطفان‭ ‬بلو،‭ ‬الرئيس‭ ‬العام،‭ ‬وبمعية‭ ‬مجلس‭ ‬مدبريه،‭ ‬وحشد‭ ‬من‭ ‬الرهبان‭ ‬والراهبات‭ ‬والإكليروس‭ ‬والمؤمنين‭. ‬استمر‭ ‬المشروع‭ ‬لسنوات‭ ‬عدة،‭ ‬لكنه‭ ‬لم‭ ‬يستمر‭ ‬طويلًا‭ ‬بسبب‭ ‬ظروف‭ ‬اقتصادية‭ ‬وسياسية‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬حيث‭ ‬اندلعت‭ ‬ثورة‭ ‬عارمة‭ ‬اشتدت‭ ‬وتيرتها‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬الخمسينيات‭ ‬وبداية‭ ‬الستينيات،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬إغلاق‭ ‬المشروع،‭ ‬مخلفًا‭ ‬وراءه‭ ‬الركام‭ ‬والحطام‭. ‬وكادت‭ ‬الرهبانية‭ ‬أن‭ ‬تستعيد‭ ‬نفسها‭ ‬وتكمل‭ ‬المسيرة‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬لولا‭ ‬معاودة‭ ‬الحرب‭ ‬وضراوتها‭ ‬المعروفة،‭ ‬وانتقالها‭ ‬من‭ ‬منطقة‭ ‬إلى‭ ‬أخرى،‭ ‬مما‭ ‬ألحق‭ ‬الوطن‭ ‬بالشرذمة‭ ‬والتمزيق‭.‬

حتى‭ ‬عام‭ ‬2000،‭ ‬حيث‭ ‬أعيد‭ ‬ترميم‭ ‬الميتم‭ ‬بحلة‭ ‬جديدة‭ ‬لاستقبال‭ ‬عدد‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬الأيتام‭ ‬تجاوزوا‭ ‬الثلاثين،‭ ‬تراوحت‭ ‬أعمارهم‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬الـ‭ ‬6‭ ‬والـ‭ ‬17‭ ‬سنة‭.‬

بعد‭ ‬أن‭ ‬رأت‭ ‬الرئاسة‭ ‬العامة‭ ‬للرهبانية‭ ‬أن‭ ‬الميتم‭ ‬لا‭ ‬يصلح‭ ‬للسكن‭ ‬والعيش‭ ‬الوافر‭ ‬بسبب‭ ‬تزعزع‭ ‬معظم‭ ‬أجزائه‭ ‬التي‭ ‬تآكلت‭ ‬بالرطوبة‭ ‬نتيجة‭ ‬المواد‭ ‬الأولية‭ ‬البسيطة‭ ‬التي‭ ‬استخدمت‭ ‬في‭ ‬البناء‭ ‬آنذاك،‭ ‬والتي‭ ‬جعلت‭ ‬منه‭ ‬هيكلاً‭ ‬هزيلاً‭ ‬ومتزعزعًا،‭ ‬ولضيق‭ ‬حجمه‭ ‬بالأيتام،‭ ‬وبفضل‭ ‬المحسنين‭ ‬والخيّرين‭ ‬الأكارم،‭ ‬سعت‭ ‬الرهبنة‭ ‬إلى‭ ‬بناء‭ ‬دار‭ ‬جديد‭ ‬للأيتام‭ ‬في‭ ‬2‭ ‬آب‭ ‬2008‭. ‬وصل‭ ‬عدد‭ ‬الأطفال‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الحين‭ ‬إلى‭ ‬26‭ ‬طفلًا،‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬الميتم‭ ‬مستمرًا‭ ‬في‭ ‬الخدمة‭ ‬بسخاء‭ ‬وفرح،‭ ‬حيث‭ ‬يقوم‭ ‬بإدارته‭ ‬الأخوة‭ ‬الرهبان‭ ‬بهمة‭ ‬وغيرة،‭ ‬ويتم‭ ‬تمويله‭ ‬ذاتيًا‭ ‬من‭ ‬الرهبنة‭ ‬ومن‭ ‬حسنات‭ ‬المؤمنين‭.‬