الموصل (أم الربيعين)
كنيسة الطاهرة دي الموصل للسريان الكاثوليك
مدينة عريقة على مفترق التاريخ
بقلم د. عضيد ميري
الموصل، والتي تعني "نقطة الوصل" باللغة العربية، تعمل كحلقة وصل حيوية بين العراق وسوريا والشام، وتُعرف المدينة تاريخيًا باسم نينوى، وقد سُميت على اسم إلهة آشورية مرتبطة بالسمك.
تُعَد الموصل واحدة من أقدم مدن العالم، وكانت مفترق لطرق استراتيجية لآلاف السنين، مما سهّل حركة الشعوب والأعراق والأديان المختلفة في المنطقة، بما في ذلك بعض من أقدم المجتمعات المسيحية في العالم.
وبفضل موقعها، أصبحت الموصل بوتقة تنصهر فيها الثقافات والأديان، مما يعكس الهوية التعددية للعراق عبر قرون من التعايش. ولذلك تعرض المدينة القديمة في الموصل تراثًا غنيًا، مع شوارع عتيقة وعمارات محفوظة جيدًا تمزج بين الفنون الزخرفية المسيحية النسطورية والإسلامية.
ازدادت أهمية المدينة عندما سقطت تحت سيطرة الدولة الإسلامية (داعش) في 10 يونيو 2014، وأصبحت هدفًا للقوات المناهضة والطاردة لداعش. وتقدم هذه المقالة لمحة عامة عن الأهمية التاريخية للموصل ورواية مؤثرة للفظائع التي ارتكبها تنظيم داعش ضد المسيحيين وغيرهم من الجماعات العرقية في المحافظة. كما وتُعرف مدينة الموصل القديمة باسم "أم الربيعين" بسبب مناخها المعتدل، وهي بتأريخها وجغرافيتها تحوي وترمز إلى التراث القديم للعراق.
شهدت المدينة والمنطقة دمارًا واسع النطاق أثناء سيطرة داعش وجهود التحرير اللاحقة، حيث استهدف المسلحون المباني الحكومية والمراكز التعليمية والمستشفيات، ومنذ تحريرها في عام 2017، واجهت الموصل تحديات كبيرة في إعادة الإعمار، حيث تقدر الحكومة العراقية الحاجة إلى ما لا يقل عن 88 مليار دولار لإعادة بناء البنية التحتية، وترميم المنازل، ومساعدة السكان النازحين. ولكن على الرغم من تشكيل لجنة إعادة إعمار الموصل لمعالجة هذه القضايا، إلا أن الكثير من الدمار لا يزال دون معالجة بعد سبع سنوات.
تُقدم هذه المقالة نظرة عامة على مدينة عراقية تاريخية عريقة ووصفًا مفجعًا للفظائع التي ارتكبها تنظيم الدولة الإسلامية في مدينة الموصل ضد المسيحيين والأزديين ومجموعات عرقية أخرى، بما في ذلك فروع من الإسلام غير طائفتهم.
من الدمار إلى إعادة الإعمار
عانت مدينة الموصل العراقية من بطء جهود إعادة الإعمار منذ هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في عام 2017، فقد شهدت المدينة القديمة، التي كانت المنطقة الأكثر تضررًا من الحرب، إزالة ملايين الأطنان من الأنقاض، لكن إعادة الإعمار التي تقودها الحكومة ركزت في المقام الأول على استعادة شبكات المياه والكهرباء وإصلاح الطرق.
وعلى الرغم من هذه الجهود، أعاقت الصراعات السياسية بين الأطراف المحلية جودة وسرعة نطاق إعادة الإعمار. ويشير الناشطون إلى أن أعمال إعادة الإعمار الجوهرية لم تبدأ إلا بعد انتهاء جائحة فيروس كورونا في عام 2021، وبقيت وتيرة إعادة الإعمار بطيئة، حيث أدى تراكم الأنقاض إلى تعقيد جهود الإزالة وبقاء بعض الأحياء مغلقة امام الترميمات اللازمة. كما أدت العقبات البيروقراطية إلى تأخير تنفيذ المشاريع، بالإضافة الى فشل تقدير المخصصات المالية اللازمة لإعادة الإعمار ومواكبة مدى الضرر والدمار. ويؤكد الناشطون المحليون أن المجتمع المدني والفرق التطوعية بدأت حملات إعادة الإعمار والإغاثة المبكرة، مما دفع الحكومة المحلية في النهاية إلى المبادرة في دعم هذه الجهود. وفي وقت لاحق، انضمت المنظمات الدولية، بما في ذلك تلك التابعة للأمم المتحدة، إلى جهود إعادة الإعمار.
في السنوات الأخيرة، شمل التقدم إعادة بناء العديد من المباني الحكومية ورصف طرق المدينة، فضلاً عن إعادة بناء سبعة مستشفيات والعديد من المراكز الصحية. وأفادت الحكومة المحلية بإعادة بناء 345 مدرسة خلال العام الأول، مع استمرار بناء مدارس إضافية. وذكر محافظ الموصل حينذاك أنه تم دفع حوالي 305 مليون دولار كتعويضات للمواطنين المتضررين، مع الحاجة إلى 270 مليون دولار إضافية لاستكمال جهود التعويض.
كما أعيد بناء العديد من الجسور في محافظة نينوى، بما في ذلك الهياكل الرئيسية مثل جسور بادوش والقيارة ومنيرة والزاب والكًوير، وهي من بين أطول الجسور في العراق. وتم ترميم خمسة جسور في الموصل تربط المدينة عبر نهر دجلة، وبدأ العمل على جسر سادس شمال المدينة.
وبينما أعيد بناء العديد من المساجد والكنائس التاريخية من خلال التبرعات الدولية، لا تزال مشاريع أخرى تواجه تحديات كبيرة. وتظل المؤسسات الصحية، بما في ذلك المستشفيات والمرافق الطبية في غرب الموصل، في حالة سيئة، كما واجهت مشاريع البنية التحتية، مثل مطار الموصل الدولي، تأخيرات بسبب الصراعات السياسية المستمرة وتعقيدات انتخابات المجالس المحلية.
مشروع "إحياء روح الموصل" لليونسكو
بعد مرور عام على تحرير الموصل، بدأت اليونسكو جهود إعادة الإعمار والمصالحة لاستعادة تراث المدينة الغني والمتنوع، وشكل هذا العمل جزءًا من مبادرة "إحياء روح الموصل" التي أطلقتها اليونسكو في فبراير/شباط 2018، بهدف إحياء تاريخ المدينة وثقافتها بعد الأضرار الجسيمة التي لحقت بتراثها الذي يعود تاريخه إلى 2500 عام.
وبدعم من 31 دولة وتعاون وثيق مع الحكومة العراقية والمجتمعات المحلية، كانت هذه المبادرة تُعد واحدة من أكثر مشاريع الترميم طموحًا في العقود الأخيرة، وبالشراكة مع الإمارات العربية المتحدة، بدأت اليونسكو إعادة بناء ثلاثة معالم تراثية رمزية في الموصل في خريف عام 2018، وبالتعاون مع وزارتي الثقافة وديوان الوقف السني.
وشملت المشاريع إعادة بناء جامع النوري الشهير، ومنارة الحدباء، وكنيستي الساعة والطاهرة، و124 منزلاً تراثياً، وجامع الآغا، ومدرسة الإخلاص في البلدة القديمة بالموصل، مما أدى إلى خلق 3100 فرصة عمل محلية.
وكانت المرحلة التحضيرية الأولى هي إزالة الألغام من المواقع، وتدعيم الهياكل المتبقية، وإزالة الأنقاض، بما في ذلك استعادة القطع الأثرية القيمة لإعادة استخدامها في إعادة الإعمار. وأشرف على هذا العمل الدقيق خبراء دوليون وطلاب من جامعة الموصل، كما وتهدف جهود اليونسكو أيضًا إلى تسهيل عودة السكان النازحين إلى منازلهم في البلدة القديمة، وتقوم المنظمة حاليًا بترميم 124 منزلًا تاريخيًا، بدعم من الاتحاد الأوروبي. وشملت الاستعدادات إزالة 2107 طنًا من الأنقاض و21 ذخيرة غير منفجرة.
وتقترب اليونسكو من الانتهاء من إعادة بناء أول 44 مبنى تاريخيًا، مما سيتيح للسكان العودة اليها، ويركز المشروع أيضًا على خلق فرص عمل للشباب في الموصل، وتشجيع المشاركة المحلية في عملية إعادة البناء. وكان التعافي تدريجيًا، مع الحاجة إلى عمل مكثف لإزالة الألغام واستعادة المنازل والطرق والبنية الأساسية لسكان المدينة البالغ عددهم 1.5 مليون نسمة.
وتثميناً لهذه الجهود استضافت اليونسكو، عرضًا أوليًا في 12 سبتمبر 2024، للفيلم الوثائقي "سيدة الساعة في الموصل" للمخرج فريدريك جاكوفليف. يسلط فيه الفيلم الضوء على إعادة بناء المواقع الرئيسية في الموصل، بما في ذلك دير سيدة الساعة، وكنيسة الطاهرة، ومسجد النوري، ومنارة الحدباء، وكلها جزء من مبادرة "إحياء روح الموصل".
إعادة بناء معالم الموصل
كانت الموصل ذات يوم مدينة مسيحية نابضة بالحياة، وهو إرث ينعكس في تراثها الديني القديم والحديث عنها لا يزال قائماً ليومنا هذا على الرغم من الأحداث الكارثية التي حصلت في السنوات الأخيرة. ويعود تاريخ أول كنيسة موثقة في نينوى (الموصل الحديثة) إلى عام 570 م، مع ذكر كنيسة مار إشعيا في "تاريخ سيرت"، مما يؤكد وجود مجتمع مسيحي قائم فيها سابقًا. وعلى مر القرون، أدت الانقسامات والصراعات المختلفة إلى إنشاء العديد من الكنائس من طوائف مختلفة، بما في ذلك الجماعات الأرمنية واللاتينية وغيرها.
وشملت المرحلة التحضيرية لليونسكو، التركيز على ثلاثة مواقع رئيسية، حاسمة لإرساء أساس متين لإعادة الإعمار. وشمل ذلك تأمين الحدود الخارجية وإزالة الأنقاض المحملة بالمتفجرات، وبعد ذلك، بدأت مرحلة التأسيس، والتي تم خلالها تطوير التصاميم التفصيلية لعملية إعادة الإعمار بالتشاور مع السكان المحليين والخبراء الدوليين والعراقيين لضمان مشاركة المجتمع بأكمله وملكيته لهذا التراث الثمين.
مئذنة الحدباء
تتمتع مئذنة الحدباء بتاريخ يمتد إلى 800 عام، وهي تهيمن على أفق الموصل وتعمل كرمز للمدينة والعراق. وقد أعرب السكان عن رغبتهم الشديدة في إعادة بناء المئذنة إلى ارتفاعها الأصلي الذي يبلغ 45 مترًا، وتزيينها بالطوب والحفاظ على ميلها المميز، وإعادتها كما كانت قبل تدميرها في عام .2017
وطرحت إعادة بناء المئذنة تحديات كبيرة، وخاصة في إعادة إنشاء شكلها المائل الأصلي باستخدام أساليب البناء التقليدية. وتتضمن العملية سلسلة من العمليات الهندسية المتخصصة، بما في ذلك تأمين وتعزيز الأساسات التي ستدعم الهيكل الأسطواني، وتضمنت احدى المراحل الحاسمة في عملية إعادة البناء تطوير نظام أساس جديد يربط قاعدة المئذنة بالتربة المستقرة، وبذلت جهود كبيرة لاستخدام أكبر عدد ممكن من الطوب الأصلي البالغ عدده 44000 قطعة على الرغم من أن الحفاظ على المنحدر الأصلي البالغ 2.5 متر كان سيكون مستحيلاً بسبب القيود المادية اللازمة للبناء.
مسجد النوري
من المقرر إعادة فتح مسجد النوري الشهير، الذي دمره تنظيم داعش في عام 2017، بحلول نهاية هذا العام كجزء من مبادرة رئيسية للأمم المتحدة لاستعادة بعض المواقع الدينية الأكثر تاريخية في العراق. إذ كان هذا المسجد المشهور بمئذنته المائلة، معلمًا مهمًا للمدينة وفيه أعلن زعيم داعش أبو بكر البغدادي "الخلافة" في عام 2014. استمرت معركة استعادة الموصل من داعش ما يقرب من تسعة أشهر، مما أسفر عن دمار واسع النطاق، ومقتل الآلاف من المدنيين، وتشريد أكثر من 900000 شخص.
بعد طرد داعش في عام 2017، تُركت محافظة نينوى والجامع في حالة خراب لا مثيل لهما، وأكمل مشروع الترميم، الذي بدأ في عام 2018، إلى حد كبير الجوانب الهيكلية للمسجد والمئذنة، بما في ذلك تعزيز القبة وقاعة الصلاة، ولا يزال العمل على المئذنة المائلة واللمسات النهائية مازالت مستمرة.
لضمان الأصالة، حصلت اليونسكو على الطوب الذي يطابق الأبعاد والسمك والأنماط الأصلية. وقد تلقى المشروع، الذي أطلق عليه اسم "إحياء روح الموصل"، تمويلاً كبيراً من دولة الإمارات العربية المتحدة، التي ساهمت بمبلغ 50 مليون دولار لترميم مجمع مسجد النوري، وتوسع العمل ليشمل ترميم كنيستين قريبتين، كنيسة الساعة وكنيسة الطاهرة. ومنذ انطلاقته، نجح هذا المشروع في خلق 3000 فرصة عمل للسكان المحليين.
كنيسة الساعة
يقع دير سيدة الساعة، الذي أسسه الدومينيكان في سبعينيات القرن التاسع عشر، في وسط الموصل ويشتهر ببرج الجرس والساعة ذات الأربعة وجوه. ووصلت أول بعثة بابوية إلى بلاد ما بين النهرين في عام 1870، مما أدى إلى إنشاء هذا الدير، الذي خدم أغراضًا دينية وثقافية واجتماعية.
خلال احتلال داعش، تعرض الدير للتخريب وإساءة الاستخدام. بدأت جهود الترميم في عام 2021 كجزء من مبادرة أوسع نطاقًا من قبل اليونسكو لإحياء وسط مدينة الموصل، ويؤكد المشروع على روح التعاون بين المسيحيين والمسلمين، بهدف ترميم الدير ومسجد قريب، يرمزان إلى العودة إلى التراث المتنوع والتاريخ المشترك للمدينة.
كنيسة الطاهرة
منذ عام 2014 لحد 2017 تعرضت كنيسة الطاهرة (القديمة) للسريان الكاثوليك، والتي بُنيت عام 1859 وأُعيد ترميمها بعد قرن من الزمان، لأضرار بالغة أثناء سيطرة عصابات داعش 2017. فقد انهار سقفها، ودُمرت أجزاء كبيرة من أروقتها وجدرانها الخارجية. إن إعادة بناء كنيسة الطاهرة تعكس مثالاً لمشروع كنيسة الساعة، بما يتماشى مع توقعات المجتمع واحترام الأهمية الثقافية والدينية للموقعين وترابطهما. وقد تم الانتهاء من التصميم التفصيلي للكنيسة بالكامل، وتقترب المراحل النهائية لإكمال كنيسة قلعة الطاهرة في الموصل القديمة (حوش الخان) - (حوش البيعة)، وإعادة بناء الموقع إلى مجده السابق إذ تم إعادة إعمار الكنيسة حسب الطراز القديم بدعم من منظمة اليونسكو، وبإشراف مفتشية الآثار والتراثي نينوى، وتنفيذ شركة رحاب نينوى، وبأشراف أبرشية الموصل للسريان الكاثوليك، لتعود بهذا الشكل الذي هي عليه اليوم على امل الافتتاح القريب لها.
متحف الموصل
عندما استولى تنظيم داعش على الموصل في عام 2014، نهب ودمر قطعًا أثرية آشورية وسومرية لا تقدر بثمن في متحف الموصل. وشاهد العالم في رعب كيف حطم المسلحون المنحوتات التاريخية، وهي الحملة التي أدانتها الأمم المتحدة باعتبارها جريمة حرب.
إن الدمار الذي لحق بمتحف الموصل يشكل خسارة ثقافية عميقة في منطقة تعتبر مهدًا للحضارة. ولم يستهدف تنظيم داعش هذه المواقع الثقافية لأهميتها العسكرية فحسب، بل لمحو الهوية التأريخية والمدنية. وسُرقت العديد من العناصر الأصغر حجمًا، بينما أحرق حوالي 25000 مجلد من مكتبة المتحف، وتعرضت المباني لأضرار جسيمة، بما في ذلك حفرة كبيرة في أرضية القاعة الآشورية بسبب انفجار قنبلة.
وإدراكًا للحاجة إلى إعادة الإعمار، تتعاون المنظمات في جميع أنحاء العالم في هذا المشروع، بما في ذلك معهد سميث سونيان، ومجلس الآثار والتراث العراقي، ومتحف اللوفر، وصندوق الآثار العالمي، والتحالف الدولي لحماية التراث في مناطق الصراع.
بدأت جهود الترميم أولاً بتوثيق الضرر وجمع الأدلة الناجمة عن الدمار، والهدف هو إعادة افتتاح متحف الموصل في عام 2026، مما يعزز أهمية ودور السياحة في المدينة القديمة، ويحسن مستويات المعيشة، ويعيد الأمل إلى مدينة غنية بالكنوز الأثرية.
جامعة الموصل
يعتبر التعليم والثقافة والتراث عناصر أساسية لإعادة بناء المجتمع والإعمار الناجح وجميعها تستحق الدعم الكامل. وتحملت جامعة الموصل، التي هي ثاني أكبر جامعة في العراق وتضم 30 ألف طالب، ندوب الحرب والاحتلال والدمار وهي اليوم تعيد بناء حرمها الجامعي ومجتمعها الأكاديمي بعد أن تحملت فصلاً مظلماً في تاريخها المعاصر.
خضعت الجامعة لحكم الإرهاب أثناء سيطرة داعش، الذي أعاد تشكيل مناهجها وأخلاقياتها لتتماشى مع أيديولوجية الجماعة الإرهابية المتزمتة، وتم تعليق المواد مثل الأدب والفلسفة، وهاجمت أي شيء يُنظر إليه على أنه يعارض آرائها الدينية المتطرفة. وأحرق مسلحي داعش الكتب في المكتبة المركزية وهدموا المواقع الأثرية واعتبروا أي أدب لا يخدم أجندتهم لا معنى وضرورة له.
وتم استهداف الأكاديميين المرتبطين بالغرب أو الموالين للحكومة العراقية، وواجه موظفي الجامعة تهديدات لعدم الإبلاغ عن خطط هروب زملائهم وتم حظر الروايات والأفلام والموسيقى وحتى الهواتف المحمولة.
أثناء الاحتلال، تحولت أقسام الجامعة للتركيز على المواد التي تدعم جهود الحرب لداعش، واستخدم المقاتلون الأجانب بعض المباني للسكن، وأصبحت العلوم الفيزيائية ذات أولوية، وروج تنظيم داعش للتدريب في الطب والصيدلة والتمريض وطب الأسنان لسد الفجوات التي خلفها الأطباء الفارون، وحتى الرياضة تم إعادة تصورها على أنها تدريب جهادي، ودمج الدروس ذات الطابع العسكري.
بعد أكثر من عامين من الاحتلال، واجهت الجامعة الدمار من الهجمات البرية والجوية ولا تزال المكتبة المركزية في حالة خراب، وهي تذكير صارخ لما كانت ذات يوم واحدة من أكبر المكتبات في الشرق الأوسط. ووصف الأكاديميون مناخ الخوف والرعب، حيث تم حرق الكتب وحظر المواد التربوية والفلسفية وشعر أولئك الذين بقوا في الموصل بأنهم مجبرون على الحضور الى الجامعة تحت تهديد العنف والعقاب.
وعلى الرغم من انعدام الأمن المستمر والمخاوف بشأن الفساد بعد الحرب، فإن الحاجة إلى المرافق والموارد الحديثة تظل بالغة الأهمية. لقد بدأت أعمال التجديد، لكن العديد من الفصول الدراسية والمعدات عفا عليها الزمن، مما يسلط الضوء على الحاجة إلى أساليب تدريس وممارسات إدارية جديدة.
الآن وبعد سنين التحرير، يشعر الطلاب وأعضاء هيئة التدريس بالامتنان للعودة الى أجواء العلم والدراسة والمعرفة، لكن الشعور المتبقي بالخوف لا يزال قائما، حيث مازال الإرث النفسي للحرب والاحتلال يلقي بظلاله الطويلة على الحرم الجامعي. وبينما لا يزال يتعين إزالة الأنقاض، يتم في نفس الوقت إعادة بناء الروابط الأكاديمية مع المجتمع الدولي، إذ يجري التعاون مع مؤسسات مثل جامعة لانكاستر البريطانية لتقديم الخبرة والتكنولوجيا، في حين تنظم جامعة سانت أندروز الأسكتلندية مبادرات لجمع التبرعات ولإرسال الكتب إلى مكتبة جامعة الموصل، إذ عانت الجامعة من العزلة لفترة طويلة، لكن الجهود جارية لاستعادة حيويتها الثقافية.
ويهدف مشروع جسر الكتب في الموصل إلى تجديد مكتبة كانت تضم مليون مجلد. وتم شحن أكثر من 3000 كتاب إلى الموصل وهناك علامات مشجعة على عودة المكونات مثل الطلاب المسيحيين واليزيدين، مما يزيد من إثراء التنوع في الجامعة.
مطار الموصل
تأسس مطار الموصل الدولي في البداية كمطار مدني في عام 1990 وأعيد افتتاحه في 2 ديسمبر 2007، بعد عمليات تجديد واسعة النطاق. وبعد أن استولى عليه تنظيم داعش في يونيو 2014، أصبح موقعًا عسكريًا استراتيجيًا حتى تحريره من قبل القوات العراقية في 23 فبراير 2017
تعرض المطار لأضرار كبيرة أثناء الاحتلال، حيث ورد أن المسلحين قاموا بتخريب المدرجات والبنية التحتية. وبعد التحرير، اكتملت جهود إزالة الألغام بحلول نوفمبر 2019، مما مهد الطريق لخطة إعادة بناء شاملة.
إن إعادة تأهيل مطار الموصل الدولي أمر بالغ الأهمية لتعزيز الاتصال الإقليمي ودعم التعافي الاقتصادي المحلي، ويمثل ترميمه خطوة حيوية نحو إعادة بناء البنية التحتية للعراق وتحسين خيارات النقل لسكان محافظة نينوى، وحتى الآن، اكتمل 86 في المئة من إعادة التأهيل، ومن المقرر أن يستأنف المطار الرحلات المدنية هذا العام إذ أصدر رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني توجيهات بتدشين مطار الموصل الدولي في 10 يونيو 2025، المصادف الذكرى الحادية عشرة لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على المدينة في 10 يونيو 2014 ثاني كبرى مدن العراق ومركز محافظة نينوى في شمال البلاد. وأعلن منها التنظيم الإرهابي بعد 19 يوما من السيطرة عليها إقامة "الخلافة الإسلامية".
طعم الأمان والاستقرار والحرية
لقد تحملت الموصل ثلاث سنوات مؤلمة تحت حكم داعش، ولكن الآن، بعد التحرير، تستعيد المدينة أنفاسها وروحها ببطء. سيما وتشهد العديد من المدن العراقية استقرارًا نسبيًا بعد عقود من الصراع، والموصل ليست استثناءً إذ بعد سبع سنوات من إعلان السلطات العراقية النصر على داعش، عادت شوارع وحدائق ومطاعم الموصل إلى الصخب مرة أخرى وتزدحم بالعائلات التي تستمتع بطعم الأمان والاستقرار والحرية وتزدهر الأماكن والأسواق القريبة من المواقع التاريخية مثل قصر الكرا سراي، حيث يستمتع مئات الرواد بالمأكولات الموصلية المحلية والعالمية، وفي مكان قريب، يوفر المجمع السياحي القديم في منطقة الغابات بمنتزهات ترفيهية ومطاعم وحدائق، تجذب العائلات التي تبحث عن الترفيه والحياة الطبيعية.
مساهمات أبناء الجالية الكلدانية العراقية ومؤسساتها في ولاية ميشيغان
لقد تكبدت الموصل خسائر فادحة، ولكن الأمال تبقى متجددة وقوية وترنوا صوب المستقبل المستقر وتعكس جهود الإحياء الجارية في المدينة التزامًا جماعيًا بالمشاريع الإنسانية، واليوم، تتجلى قوة التعاون الدولي في الحفاظ على التراث، وخلق فرص العمل، وتدريب الشباب، وكل هذا يعزز الأمل ويضع الأساس للسلام الدائم.
وكمؤشر مهم للاهتمام والدعم ومتانة العلاقات التأريخية والمجتمعية بين الجالية العراقية الكلدانية ومؤسساتها في ولاية ميشيغان قام وفد من غرفة التجارة الكلدانية الأمريكية في ميشيكًن وأبناء الجالية الكلدانية والأشورية في الولايات المتحدة الأمريكية بزيارة الى إقليم كردستان وسهل نينوى شملت مدينة أربيل وقضاء تلكيف في 25 نوفمبر 2022. صادف برنامج الزيارة وتزامن مع زيارة لوفد من أعضاء الكونجرس الأمريكي بقيادة عضوة الكونجرس والنائبة عن ولاية ميشيغان (أليسا سلوتكن) وهي الان عضوة مجلس الشيوخ عن الحزب الديمقراطي) مع النواب (ألريد - وبورتر – وتاكانو) ومعهم سفيرة الولايات المتحدة في العراق (الينا رومانوفسكي).
كما وتمت عدة زيارات الى مؤسسة الجالية الكلدانية للسادة محافظ نينوى السابق (نجم الجبوري) ورئيس بلدية قضاء الحمدانية (عصام بهنام) في أكتوبر 2022، وكذلك السيد محافظ نينوى الحالي عبد القادر دخيل في نيسان2024 سيما وإن أبناء الجالية العراقية في الولايات المتحدة يمثلون وطنهم الأم الذي يمتاز بالتنوع الثقافي والديني والعرقي كما كانت في سهل نينوى، وما يميز هذه الجالية فضلاً عن عددها الكبير حرصها الثقافي والديني والقومي ويمكن عدُها عراقاً مصغراً في ولاية ميشيغان.
تعمل المجموعة على إيجاد حلول طويلة الأمد للمساعدة في الحفاظ على المجتمع المحلي ودعمه في المنطقة. وكان رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني قد أعلن عن تخصيص 95 مليون دولار لدعم إعادة إعمار قرى الأقليات في العراق.
تم خلال الزيارات مناقشة السبل وطرق التعاون من اجل خدمة شعبنا والمجتمع والمواطنين في محافظة نينوى على أفضل وجه، بما في ذلك معالجة التحولات الديموغرافية في المنطقة ودعم التنمية الاقتصادية في المحافظة، وتطوير المشاريع وبسط سلطة القانون وحماية حقوق المكونات والمقدسات ومواجهة التحديات وإنشاء خطوط تواصل دائمة لتنسيق ونجاح خطوات العمل المشترك ،والتركيز على أهمية تاريخ وتأثير المكونات والأقليات حيثما كانت واصبحت وصيانة وحفظ التراث أينما حللت وهناك إمكانات مجتمعية واقتصادية وعلمية هائلة بين أفراد الجالية العراقية في الولايات المتحدة كلها تسعى من اجل الحفاظ على ثقافتنا الكلدانية الثرية لكي تقدمها للمجتمع من خلال مجموعة واسعة من الوسائط والمنصات المجتمعية والخدمية مثل الكنائس والمؤسسات ومتاحف التراث ومشاركة كل ذلك مع إخوتنا في الوطن العزيز ومحافظة الموصل الغراء.
وعلى الرغم من التحديات، فإن روح الصمود بين سكان الموصل تبقى عالية وملموسة، ويعتبر إعادة بناء المدينة واركانها ومعالمها الأثرية بمثابة شهادة على أصالة الموصل وقوة مجتمعها والالتزام العالمي بدعم تعافيها. وتشير مشاهد وأصوات الحياة اليومية التي تعود إلى الشوارع إلى فصل أكثر إشراقًا للموصل وأهلها الطيبين.
المصادر- (الجزيرة نت)، أحمد الدباغ، اليونسكو/مؤمن البيدي، الحرة/ واشنطن، العربية نيوز، ذا ناشيونال، مؤسسة سميث سونيان، ويكيبيديا، موقع أخبار العراق، مجلة أخبار الكلدان (كالديان نيوز).
عمال البناء في الموصل يحتفلون بإعادة بناء منارة الحدباء في الموصل.
منارة الحدباء التاريخية في الموصل.