القوش بين الماضي والحاضر
Women in traditional Chaldean village garments head into church.
للحديث عن عراقة التاريخ وأصالة الحضارة وجمال التراث ومنابع الفكر و الثقافة و جذور اللغة وزخرفة حروفها وغير ذلك من النعوت الحسنة و الكنوز المعرفية الفذة لابد أن يكون كلامنا موجها إلى القوش التي تختصر كل الألقاب والعناوين وإن تعددت الاعتقادات والتفسيرات في أصل تسميتها إلا أننا استقينا حقيقةً واضحة لا تقبل الشك، نراها إلى يومنا هذا بإطلالتها الجميلة وهي تربض على سفح الجبل الذي يُسمى باسمها وعند التجول في أحيائها وأزقتها تبدأ تتجلى ملامحها لنُدرك تماماً اننا نقف امام تاريخ حافل بالتميز على كافة المستويات، فعمق جذورها تمتد إلى آلاف السنين، فحينها لم نعد بحاجة لنبش الأرض في البحث والتنقيب عن كنوزها الأثرية العديدة، فكل حجر فيها له قصة وحكاية وكذلك المعالم الأثرية، كمرقد النبي ناحوم وكنيسة ومدرسة مار ميخا ودير الربان هرمزد وهي شاخصة للعيان إلى يومنا هذا، دلائل كافية على الأصالة والرصانة، حيث يكاد كل ركن فيها يتحدث عن ذاته ويحمل في طياته عبق الماضي العتيق الذي بات يعرفه الجميع.
وهي من أقدم نواحي العراق، فهي مركز ناحية قبل تشكيل الدولة العراقية الحديثة في ١٩٢١ حيث في ٢٧كانون الأول ١٩١٨عيّن فيها (بطرس شمعون أدمو) أول مدير للناحية ، ترتبط فيها إداريًا العشرات من القرى والبلدات المحيطة بها وهي تابعة لقضاء تلكيف ضمن محافظة نينوى وتبعد عن مركز المحافظة ٤٥كم شمالًا فبالإضافة إلى كونها مركزًا للناحية تعتبر هذه البلدة مركزًا دينيًا مسيحيا مهمًا فهي تحتضن الرسي الأسقفي لأبرشية القوش الكلدانية.
القوش بلدة كلدانية عريقة وقديمة جدا يبعد تاريخها أكثر من 1000 سنة قبل الميلاد لوجود ضريح النبي ناحوم الذي تنبأ بسقوط نينوى والقوش كلمة كلدانية من مقطعين أيل قوشت بمعنى الإله القوي. الحالة المعيشية فيها مستندة على الفلاحة والزراعة والتجارة والحياكة ومرعى للأغنام والبقر وهي تملك أراضي زراعية كبيرة المساحة وبيادر واسعة ونصب الكروم والتجارة.
وأمام هذا العمق التاريخي الكبير كان علينا أن نستضيف أحد أبناء القوش لكي يوضح الصورة لنا وينقل للقراء الكرام تفاصيل ممتعة عن أهم مواقعها الأثرية وأماكنها وشخصياتها البارزة، لذلك أجرينا حوارا مع الشماس سمير زوري، هذا الرجل الذي يتمتع بمواهب وقدرات فنية وثقافية وتاريخية عالية المستوى، فالشماس زوري من المبدعين في مجال لغتنا الكلدانية والبارعين في خطها. بدء ضيفنا الكريم بسرد معلوماته القيمة في التحدث عن أن القوش فيها مواقع أثرية قديمة منها:
شويثا دكناواي: وهي بالأصل شويثا دكلواي وهي كلمة كلدانية بمعنى مسبية الغرباء.
مصناعي :وهو أثر قديم محفور في وسط الجبل على شكل مذبح للاوثان.
كوبا دمايا: كهف الماء وهو كهف محفور في الجبل كبير وواسع وفيه ينبوع ماء صغير صالح للشرب.
كِرا: بمعنى “تصدد”، وهو عمل يدوي على شكل تل دائري يعتقد أنه مرصد قديم قد أقيم بعد سقوط نينوى على يد الكلدان بقيادة الملك نبوخذ نصر لأن ملوك الكلدان حكموا نينوى بعد سقوطها بعد عام 612 ق.م.
قرزي: هي سلسلة جبلية صغيرة وقصيرة نوعا ما يبلغ ارتفاعها عن محلة قاشا حوالي 50 م ومفصولة من الجبل بوادي واسع وقبل جيلين واكثر كانت قد بنيت عليها بيوت اما الان قد اندثرت. حسب اعتقادي هي كَرزي بحرف الكاف وليس بحرف القاف لأن الاسم الأول ليس له معنى بالكلدانية أما المعتقد كَرزي تعني “المنادى” حيث أنها موقع مرتفع ومحتمل عند حدوث أي حدث إن كان مفرحا، محزنا، أو مخيفا المنادي يتسلق إلى هذه السلسة للمنادى لساكني القوش من الحذر.
هيكل النبي ناحوم الالقوشي: هو هيكل قديم جدا قبل المسيحية في القوش وضريحه قريب من ضريح أخته سارة وكان آبائه وأجداده أسرى لدى الامبراطورية الاشورية منذ ملك سنحاريب .إذ كان هيكله على شكل قبر كباقي قبور الأنبياء. واسمه مكتوب في الكتاب المقدس العهد القديم الذي تنبأ بسقوط نينوى وإلى الأبد سنة 612 ق.م. من نبوءته (نينوى كبركة جفّ ماؤها. ويل لمدينة الدماء. مات ولاتك يا ملك أثور عظماؤك فارقوك وتشتت شعبك على الجبال ولا من يجمع. كل من يسمع بخبرك يصفق عليك بكفين.).
القوش المسيحية:
اعتنقت القوش المسيحية منذ القرون الاولى حيث عند قدوم مار ميخا النوهدري اليها في القرن الخامس كانت القوش مسيحية وفيها كنيسة مار كوركيس.
تعرضت القوش لنكبات كثيرة منها المغول والتتر في القرن الخامس عشر ويثبت بذلك لوجود مقبرة التتر المغول على طريق دير الربان هرمزد وفي زمن تيمورلنك في القرن الثالث عشر. وطهماسب قولي خان ونادر شاه في القرن الخامس عشر وتعرضت إلى الاضطهاد سنة 1832 من قبل الأمير محمد الاعور الملقب ميراكور واستشهد بها الأنبا جبرائيل دنبو رئيس دير الربان هرمزد مع عدد من الرهبان واعداد كبيرة من أهالي القوش.
وتأثرت بمذبحة سميل حيث الهجرة الكبيرة إلى القوش وحركات شمال العراق بين الحكومة نظام البعث والشعب الكوردي وحركة نظام داعش وسقوط النظام البعثي ومنذ قرنين حدثت هجرة من القوش إلى موصل وبغداد والبصرة وثم إلى أوروبا ويحكى بأن البطريرك يوسف اودو عند زيارته لفرنسا التقى بامرأة كبيرة السن متزوجة من فرنسي وأصلها القوشي ولم تعرف بالضبط من أي عشيرة. وكانت الهجرة مستمرة إلى أميركا وكندا واستراليا وأوربا وهم في المهجر ومتمسكين بهويتهم الكلدانية وتقاليدهم بالزي والعادات إضافة إلى إيمانهم المسيحي
إن اسم القوش مشهور عالميا، لأنها بلدة النبي ناحوم الالقوشي في الكتاب المقدس وتأسست أول مدرسة لتعليم اللغة الكلدانية والخط الكلداني منذ قدوم مار ميخا في القرن الخامس الميلادي وهي مشهورة بالخطاطين والكتاب والشعراء.
أحيائها القديمة
بلدة القوش تقع شمال مدينة الموصل وجنوب مدينة دهوك وهي مركز ناحية تابعة لمحافظة نينوى فيها ثلاث محلات قديمة جدا وهي محلة قاشا التي تقع شرق البلدة ومحلة سينا التي تقع غربها ومحلة تحتاني تقع جنوب المحلتي قاشا وسينا ويفصل المحلة من الأخرى بزقاق باسم المحلة وهذه الاسماء كلمات كلدانية . أما الآن توسعت وفيها أحياء جديدة .
راوما: مقبرة القوش وهي كلمة كلدانية بمعنى موضع مرتفع وموقعها شرق القوش انه تل مرتفع وواسع استعمله اهالي القوش مقبرة لموتاهم وجوده طبيعي قديم لكن استعماله كمقبرة محتمل منذ اعتناق أهالي القوش بالإيمان المسيحي ويعود هذا التاريخ في القرن الرابع الميلادي لان عند قدوم مار ميخا الى القوش في القرن الخامس كانت كنيسة القوش عامرة وكان بها كهنة وشمامسة. وقد قسمت إلى عشائر القوش الأصليين حسب القدم. وفيها قبور قديمة منذ القرن الثاني عشر الميلادي ولحد السنة 2015 حيث بنيت مقبرة جديدة غرب القوش .
كذلك وصف لنا سمير زوري عن ذكرياته ومدوناته في جمع المعلومات عن سوق القوش القديم قائلا: يقع سوق القوش قديم في وسط بلدة القوش وله عدد من أزقة للوصول إليه: زقاق من محلة قاشا من جهة شرق السوق وزقاقان من محلة تحتاني من جهة جنوب السوق وزقاقان من جهة غرب السوق من محلة سينا.
إنه سوق نظامي وجميل متكون من دكاكين أكثرها متساوية الحجم ومقسم إلى عدة اقسام متلاصقة أكثرهم للبقالين ودكاكين القصابين ودكاكين نجارين ومنهم للحدادين وأصحاب المهن اليدوية ودكاكين لبزازين ودكاكين لبيع اللبن والجبن ومن ضمن السوق هناك ثلاث خانات للبيع بالجملة. ومعظم الدكاكين و الخانات ملك كنيسة القوش الكلدانية ومنها ملك لدير السيدة للرهبنة الكلدانية ومنها ملك لعوائل معروفة في القوش وقد لعب سوق هذه البلدة دورًا هامًا لعقود طويلة فقد كان مركزا تجاريا لسنوات عديدة يتم فيه تبادل البضائع المختلفة التي يأتي بها التجار من مناطق بعيدة
فكانت تتم في هذا السوق عملية المقايضة بين السلع من الفواكه والخضروات يقابلها الحنطة والشعير .
اما ما يخص المزارات قال الشماس زوري
لقد أنشأت كنائس ومزارات عديدة في القوش وأولها:
كنيسة مار كوركيس في القرن الثالث الميلادي.
كنيسة ومدرسة مار ميخا النوهدري في القرن الخامس الميلادي.
دير الربان هرمزد الشهير في القرن السابع الميلادي.
دير السيدة مريم حافظة الزروع في القرن الثامن عشر الميلادي.
كنيسة ومزار مار قرداخ.
مزار مار شمعون وعلى الارجح انه قديم وشيد على اسم مار شمعون برصباعي البطريرك الكلداني في زمن الشابور الثاني في القرن الثالث الميلادي.
مزار مارت شموني
مزار مار يوسف
مزار مار سهدونا
مزار مار زديقا
مزار مار يوحنان
كنيسة مار ميخا ومدرسته:
بنيت هذه الكنيسة على الأرجح في بداية القرن الخامس حوالي سنة 414 م ولم يتغير مكانها بل توسعت اكثر وبنيت مدرسة لتعليم الأطفال والشباب اللغة الكلدانية وتعليم المسيحي والتراتيل. وفي زمن مار ميخا كانت كنيسته بجوار كنيسة مار كوركيس وقريبة على ضريح النبي ناحوم الالقوشي من جهة الغرب وعلى نفس الخط حيث كانت بيوت القوش مبنية على (قرزي) كما اسلفنا ذكرها وكانت كنيسة مار كوركيس وكنيسة مار ميخا وهيكل نبي ناحوم مشيدة جنوب بيوت القوش وبعد مرور من الزمن قام اهالي القوش ببناء بيوت بصف هذه الكنائس ومن ثلاث جهات الشرقية والغربية والجنوبية وإلى يومنا هذا.
الشخصيات المعروفة والمشهورة في القوش:
القوش العريقة أنجبت شخصيات مشهورة ولضيق المساحة للكتابة بهذا المجال سأختصر بذكر الأسماء البطاركة وبعض الخطاطين القدامى لأن هناك مشاهير كثيرين، وفي مجالات تاريخية مختلفة منها دينية، ثقافية، سياسية، وفنية. وبشتى المجالات، سنبدأ من القرن الثاني عشر الميلادي، لأن ما سبق من هذه القرون لم نحصل على مخطوطات قديمة لمعرفة شخصيات تاريخية بسبب الحوادث والاضطهادات.
من الخطاطين:
ايشوع الراهب خطاط كلداني ماهر جدا له مخطوط بالكتابة الكلدانية بروعة الخط على الرق (جلد الغزال) العهد القديم بقوام 25 كراساُ أنجزه سنة 1200 م.
الخطاط الماهر وبجمال خطه القس عطايا المقدسي 1520
الخطاط المشهور القس يعقوب عبد المسيح خزمي 1569 م
الخطاطون بالكتابة الكلدانية من بيت ربي رابا (شكوانا) وخطاطون من بيت هومو
وبسبب تحديد عدد الكلمات والصفحات الخاصة بهذا التحقيق الصحفي سيقتصر تلسيط الضوء في هذا المجال فقط على الشخصيات الدينية من رعاة الكنيسة بالإضافة إلى ما ذكر من خطاطين بارعين قدماء
البطاركة من القوش:
1. بطاركة الكنيسة الكلدانية النسطورية :
طيماثاوس الثاني 1318 ـ 1332م
دنحا الثاني 1332 ـ 1364م
شمعون الثاني 1364 ـ 1407م
شمعون الثالث 1407 ـ 1437 م
ايليا الرابع 1437 ـ 1437 م
شمعون الرابع الباصيدي 1437 ـ 1476 م
شمعون الخامس 1497 ـ 1501م
ايليا الخامس 1502 ـ 1503 م
شمعون السادس 1504 ـ 1538 م
شمعون السابع 1538 ـ 1551 م
شمعون الثامن 1551 ـ 1558 م
وفي عهده انشطرت الكنيسة الكلدانية النسطورية إلى شطرين نسطوري ـ كاثوليكي.
ايليا السادس 1558 ـ 1476 م
ايليا السابع 1576 ـ 1591 م
ايليا الثامن 1591 ـ 1617 م
ايليا التاسع شمعون 1617 ـ 1660 م
ايليا العاشر يوحنا مروكين 1660 ـ 1700 م
ايليا الحادي عشر مروكين 1700 ـ 1722 م
ايليا الثاني عشر دنحا 1722 ـ 1778 م
ايليا الثالث عشر ايشوعياب 1778 ـ 1804
يوحنان هرمزد الثامن 1804 ـ 1838 م هؤلاء البطاركة للكنيسة الكلدانية النسطورية من بلدة القوش من بيت ابونا.
2. بطاركة الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية :
البطريرك يوحنان شمعون سولاقا 1551 ـ 1553م
البطريرك يوسف اودو 1837 ـ 1878 م
البطريرك عمانوئيل تومكا 1900 ـ 1947 م
البطريرك بولس شيخو 1958 ـ 1989 م
ومئات من الأساقفة والكهنة والقساوسة والرهبان والشمامسة البارعين بالقراءة والكتابة وحفظ الألحان الصعبة والكثيرة .
الانتشار في المهجر
لم تكن القوش بعيدة عما عانته شقيقاتها القرى والبلدات المسيحية الأخرى في الوطن حيث مرت عليها العديد من الأحداث المأساوية محاولة من المعتدين القضاء على إرثها الحضاري والفكري والثقافي والديني لكن رغم كل ما حل فيها كان أبناؤها الغيارى ينهضون اقوى مستمدين من إيمانهم وتاريخهم عزيمتهم وإصرارهم ، لكن ضراوة الأحداث وسياسات الاضطهاد المتعاقبة أدت إلى رحيل الكثير من العائلات الالقوشية إلى خارج البلاد باحثين عن أرض يغرسوا فيها شتلات قيمهم وتاريخهم ليستطيع أبنائهم وأحفادهم جني ثماراً بهية بنكهة مميزة تعود أصولها إلى مسقط رأسهم القوش فبرغم كل الضغوط والظروف القاسية والمتغيرات السياسية وانكماش عدد سكانها تدريجياً بمرور الزمن إلا أنها بقيت محافظة على سماتها التاريخية المعهودة التي لم يطالها التغيير الديمغرافي حتى الآن
فالحب العميق وتعلق ابنائها المغتربين بها قادهم إلى تأسيس الكثير من الجمعيات والمنظمات خاصة بالجالية الالقوشية المنتشرة في بلدان المهجر واغلب تلك المؤسسات الخيرية والاجتماعية والثقافية اختار القائمين عليها أسماء لها مرتبطة بتاريخ بلدتهم فهم دائما يرددون مقولة “ صحيح نحن لا نعيش في القوش لكنها ستبقى دائما تعيش فينا “ .